ميدور… بين زيارتين: الأولى غضب والثانية إشادة

ربما كانت زيارة المهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية، إلى شركة ميدور منذ أيام مختلفة تمامًا عن سابقتها،ففي الزيارة الأولى، صاحبت الجولة ضجة كبيرة، حين أبدى الوزير غضبه الشديد من إجراءات السلامة التي رأى أنها غير مطبقة كما ينبغي، وكان حظ المهندس صلاح جابر – رئيس الشركة آنذاك – عاثرًا، إذ تلقى وحده صدمة الموقف، خصوصًا وأن ميدور كانت من أوائل محطات جولات الوزير، في وقت كان فيه مشبعًا بأقصى درجات الحزم تجاه تطبيق معايير السلامة، وبشكل لم يسمح بأي استثناء، ومنذ ذلك اليوم، ظل الجميع يترقبون قرارًا حاسمًا، حتى جاء قرار نقل صلاح جابر وتعيين الدكتور عمرو لطفي رئيسًا لميدور،، وقبل سرد المقال والمقارنة بين الزيارتين ، لا يمكن إغفال الدور الذي قام به المهندس صلاح جابر داخل ميدور ، فقد بذل جهوداً مضنية في التوسعات، وسلم المشروع يعمل بكامل طاقته ، وربما هذا ما أتاح الفرصة للدكتور عمرو لطفي أن يعمل ب اريحية ويبدأ فى ترتيب البيت إدارياً وفنياً ، بعد أنتهت التوسعات وبات ميدور أكثر استقراراً من ذي قبل، وهذا ما يعترف به عمرو لطفي ، عندما يقول : لقد اتيت لاكمل ما بدأه الأخرون.
لكن الزيارتين كانتا لرجل واحد،وهو الوزير، و يمكننا أن نقرأ الفارق بين بينهما من عدة زوايا:
1.الزيارة الأولى جرى إعدادها من منظور واحد فقط، حيث كان شخص بعينه من خارج ميدور هو المتحكم في صياغة كل التفاصيل من الألف إلى الياء، وهو ما جلب الهم والمشاكل للمهندس صلاح جابر، وربما ظلمه .
2.القيادات وقتها لم تكن قد استوعبت بعد فكر الوزير القادم من تجربة عالمية، ولم يحدث لها التحول المطلوب لاستيعاب اختلاف العهود بين وزير قضى تسع سنوات في منصبه وآخر جاء من مدرسة مختلفة تمامًا.
3.الزيارة الأخيرة كانت نتاج آراء ورؤى متعددة، فلم يعد المشهد محكومًا بوجهة نظر واحدة، والتي كانت من خارج ميدور، بل بتنسيق أوسع وأكثر نضجًا، وهو ما انعكس إيجابًا على الزيارة وغيرها من الجولات اللاحقة، فقد شارك المكتب الفني ومكتب الوزير والمكتب الاعلامي وكل قيادات الوزارة في اعداد الزيارة ، وهو ما يؤكد على ان الاراء كلما تعددت خرجت النتائج جيدة.
4.لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال طبيعة الشخصيات، فالمهندس صلاح جابر له طريقة في الإدارة والتعبير، وهي طرق ناجحة بلا شك، وقد اثبتت التجربة ذلك، بينما الدكتور عمرو لطفي يحمل ذات السمات القيادية لكن بأسلوب مغاير ورؤية مختلفة.
5.والأهم من كل ذلك هو قدرة الوزير على استيعاب ثقافة القطاع والعاملين فيه، بعد اكثر من عام ، وإدراكه أن لكل مجتمع خصائصه، وأن ما يصلح في الخارج لا يصلح بالضرورة في الداخل، وهنا يكمن سر نجاحه في كسب رضا مختلف الأطياف والتوجهات والأعمار داخل قطاع البترول، ولا نغفل سماعه لأصوات متعددة بجانبه ، عكس سماع الصوت الواحد .
ومن حُسن الطالع أن الزيارة الأخيرة جاءت بعد مرور نحو 130 يومًا من تولي الدكتور عمرو لطفي رئاسة ميدور، وهي فترة يمكن اعتبارها بمثابة كشف حساب غير معلن قدمه الرجل لوزيره، وإن كان قد ظهر للعاملين بوضوح، فقد أثبت خلالها أنه ليس مجرد مسؤول إداري، بل عقل واعٍ أعاد توجيه بوصلة الشركة نحو المسار الصحيح، بعد سنوات من التحديات .
وبالفعل نجح عمرو لطفي في فتح ملفات مهملة لسنوات، وأدارها بروح الجراح الحريص، وأبرزها ملف الحماية المدنية، حيث حصلت الشركة على درجة “مستوفى” لأمن الحريق، واضعًا خطة استراتيجية للانتهاء الكامل من المشروع بحلول عام 2028. وهو إنجاز لم يكن شكليًا، بل نابعًا من إدراك عميق لأولوية السلامة، وهو ما يتسق مع ما يصر عليه الوزير دومًا.
وفي ملف البيئة، تجاوز لطفي مرحلة الشعارات، وبدأ في إنشاء وحدة متطورة لمعالجة الصرف الصناعي، بطاقة 8 آلاف متر مكعب يوميًا، مطابقة لأعلى المواصفات البيئية. وهو توجه يعكس رؤية مستدامة تسعى لتقليل الأثر البيئي وتعظيم الاستفادة من الموارد، ليصبح ميدور نموذجًا يُحتذى به.
كما أطلق عملية إصلاح إداري وفني شاملة، شملت مراجعة القرارات، إعادة تنظيم خطوط التواصل، وتصحيح آليات العمل، مستندًا إلى كوادر الشركة وخبراتها دون إقصاء.وحافظ على تشاور مفتوح مع الوزارة والهيئة العامة للبترول، ما عزز الثقة وسهّل الإجراءات، وأسهم في استقرار بيئة العمل.
ومنذ توليه المسؤولية، رفض عمرو لطفي الاكتفاء بالمكتب، فنزل إلى الميدان وزار الإدارات المختلفة: السلامة، الإنتاج، النقل، الصيانة، التفتيش، العلاقات العامة، والميناء. وتابع شخصيًا عمليات الشحن وتوفير المنتجات لهيئة البترول، ونسّق مع الجهات المختصة للإفراج السريع عن نحو 800 شحنة سنويًا. كما عقد اجتماعات يومية مع فرق العمل، لتأسيس ثقافة تقوم على الشفافية والانضباط والتواصل المباشر.
وفي إطار رؤية وزارة البترول، بدأ لطفي في تنفيذ المحاور الستة لتطوير القطاع، من خلال قرارات حاسمة ومبادرات مدروسة، سعيًا لتحويل التوجهات الوزارية إلى واقع ملموس.كما وضع رؤية تكاملية لإدارة ميدور باعتبارها كيانًا يضم شركات تابعة مثل ميدتاب، ميداليك، ميدووتر، وإيبروم، بما يضمن التنسيق والكفاءة والفاعلية.
من هنا يمكن أن نقول انها زيارة مختلفة، بروح مختلفة ، كما نقول انها كانت زيارة مبهجة، لدرجة أن الوزير لم يكتفِ بالإشادة بالشركة، بل وعد بزيارات متكررة. مع انه هو نفس الوزير الذي خرج يومًا من ميدور غاضبًا وكأنه لن يعود إليها مجددًا، وللحقيقة لم يكن غضبه فى السابق نتاج أحد داخل ميدور، لكنه كان نتاج أشهاص كانوا قريبين منه ، لم يصيغوا الزيارة بالشكل الذي كان يرضي الوزير، وكانت النتيجة أن من دفع الثمن هو رئيس الشركة.
✍️ #سقراط