أسامة كمال للأهرام: ملف الطاقة لن يكون ورقة ضغط على مصر.. وسفن التغويز بدائل تضمن استدامة الإمدادات

أكد المهندس أسامة كمال، وزير البترول الأسبق، أن التعامل مع ملف الطاقة فى مصر يجب أن يتم من منظور شامل، وألا يقتصر على توفير البترول والغاز للكهرباء والنقل والصناعة، بل يجب تبنى رؤية متكاملة توجه الوقود الأمثل للاستخدام الأمثل، وتستفيد من جميع البدائل المتاحة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والنووية والهيدروجين. وطالب بحوافز ضريبية وتسهيلات جمركية لمشروعات الطاقة المتجددة التى يمكن أن تجذب الاستثمارات وتوفر فرص عمل وتوطن التكنولوجيا.
وأرجع، فى حواره ل«الاقتصادى»، سبب تراجع إنتاج مصر من الغاز إلى عدم تسديد مستحقات الشركاء الأجانب خلال فترات سابقة بسبب الأزمات المتعاقبة التى بدأت بأزمة كورونا مرورا بحرب أوكرانيا ثم طوفان الأقصى، نتج عنها توقف أعمال البحث والاستكشاف والتنمية. وأشار إلى الخطة العاجلة التى نفذتها الدولة لمواجهة الأزمة والتى كان أبرز عناصرها الاعتماد على المازوت، توفير سفن التغويز، التصدى لمشكلة فاقد وسرقة التيار الكهربائى، رفع كفاءة شبكات الكهرباء، التعجيل بمشروعات الطاقة المتجددة، بجانب التفاوض مع الشركاء الأجانب للعودة لضخ استثمارات وهو ما تم بالفعل.
أجرى الحوار: د. محمود جلالة
■ بداية.. كيف يجب التعامل مع ملف الطاقة في مصر؟
التعامل مع ملف الطاقة يجب أن يتم من منظور شامل، وألا يقتصر على توفير البترول والغاز للكهرباء والنقل والصناعة فقط. المطلوب رؤية متكاملة توجه الوقود الأمثل للاستخدام الأمثل، والاستفادة من جميع البدائل المتاحة مثل طاقة الرياح، الطاقة الشمسية، النووية، والهيدروجين.
كما أنني أطالب بحوافز ضريبية وتسهيلات جمركية لمشروعات الطاقة المتجددة، فهي قادرة على جذب الاستثمارات وتوفير فرص عمل وتوطين التكنولوجيا.
■ ما سبب تراجع إنتاج مصر من الغاز في السنوات الأخيرة؟
التراجع يعود إلى عدم تسديد مستحقات الشركاء الأجانب خلال فترات سابقة بسبب الأزمات المتعاقبة، بدءًا من جائحة كورونا مرورًا بالحرب الروسية الأوكرانية، ثم أحداث طوفان الأقصى.
هذا الوضع أدى إلى توقف أعمال البحث والاستكشاف والتنمية. ومن هنا نفذت الدولة خطة عاجلة لمواجهة الأزمة، تضمنت الاعتماد على المازوت، توفير سفن التغويز، التصدي لمشكلة الفاقد وسرقة التيار، رفع كفاءة شبكات الكهرباء، الإسراع بمشروعات الطاقة المتجددة، بجانب التفاوض مع الشركاء الأجانب للعودة وضخ استثمارات جديدة، وهو ما تحقق بالفعل.
■ ما سبب الفجوة الحالية بين الإنتاج والاستهلاك؟
الفجوة سببها تكرار أخطاء الماضي كما حدث عامي 2011 و2012، حيث تأخر سداد مستحقات الشركاء الأجانب.
نظام الشراكة قائم على أن مصر تحصل على حصتها من الإنتاج مجانًا، بينما يحصل الشريك الأجنبي على حصة نحو 30% مقابل نفقات البحث والاستكشاف والتطوير، تختلف نسبتها حسب طبيعة الحقول (برية، بحرية، أو مياه عميقة).
بعد 2020، ومع تأخر السداد، تراكمت المديونيات حتى تجاوزت 6 مليارات دولار في 2023، وهو ما دفع الشركات لتخفيض استثماراتها أو وقف عمليات البحث والتنمية، وبالتالي انخفض الإنتاج تدريجيًا.
■ وماذا عن تكاليف إمدادات الغاز؟
التكلفة تختلف حسب المصدر وطريقة النقل:
•حصة مصر: مجانية.
•حصة الشريك الأجنبي: تُسدد بسعر تفضيلي بين 4 و5 دولارات.
•الغاز عبر الأنابيب: ما بين 7 و7.5 دولار، وهو الأرخص على المدى الطويل نظرًا لأن تكاليف الخطوط يتم تقسيمها على 25 عامًا.
•الغاز المسال المستورد: الأغلى على الإطلاق، إذ يتراوح سعره بين 12 و14 دولارًا للمليون وحدة حرارية بسبب مصاريف الإسالة، النقل، التأمين، وإعادة التغويز. ويُستخدم فقط في حالات العجز الشديد.
■ كم يبلغ إنتاج مصر من الغاز حاليًا؟
في 2021 تجاوز الإنتاج 7 مليارات قدم مكعب يوميًا، بينما كان الاستهلاك بين 6.2 و6.5.
أما في 2023، ومع تراكم المديونيات وتوقف بعض الأنشطة، انخفض الإنتاج إلى 3.8 مليار قدم مكعب في يونيو، بينما بلغ الاستهلاك في المتوسط 6.8 مليار.
■ كيف تحركت الدولة بعد هذا التراجع؟
في 2022، صرح رئيس الوزراء أن هناك خطة لضمان استمرار أعمال البحث والاستكشاف وسداد المستحقات، لكن الحرب الروسية الأوكرانية بعثرت الأوراق، ثم جاءت أحداث طوفان الأقصى لتزيد الأمور صعوبة.
————————-
لم نتمكن من السداد فانخفض الإنتاج، فكانت هناك محاولات جادة لإقناع الشركاء بالعودة، لكنهم رفضوا كل العروض المقدمة.
——————
في منتصف 2024 جرى تعديل وزاري، هدفه تقديم وجوه جديدة بأفكار تفاوضية جديدة. بالفعل بدأ المهندس كريم بدوي وزير البترول التفاوض مع الشركاء لبحث حلول مثل السداد بالجنيه المصري أو زيادة حصصهم مؤقتًا لحين تسديد جزء من المديونية.
⸻—————-

■ هل توقفت الجهود الحكومية عند هذا الحد؟
لا، بل بدأت الحكومة أيضًا مناقشات مع الجانب الإسرائيلي لزيادة الكميات الواردة (من 0.5 إلى 1 مليار قدم مكعب).
لكن هذا الملف معقد لأنه مرتبط بالقضية الفلسطينية. مصر تجد نفسها بين شقي الرحى: الشعب يحتاج للكهرباء دون زيادة أسعار، وفي المقابل إسرائيل تمسك بيد خط الإمدادات وبالأخرى سلاحًا ضد الفلسطينيين.
ولذلك جاءت تكليفات واضحة لوزير البترول ووزراء الطاقة والمالية والتنمية المحلية والبنك المركزي لعقد لقاءات مشتركة لبحث بدائل شاملة لتأمين الوقود.
⸻
■ وما الذي أسفرت عنه هذه اللقاءات؟
في 2024 بدأت خطة عاجلة وفقًا لتعليمات الرئيس بعدم تخفيف الأحمال، وشملت:
•الاعتماد على المازوت بنسبة وصلت إلى 30% من استهلاك المحطات مؤقتًا.
•التنسيق مع المصانع لإجراء صيانتها في الصيف (ذروة الاستهلاك).
•الإسراع في مشروعات الطاقة المتجددة، حيث إن كل جيجاوات إضافية توفر 750 مليون دولار سنويًا من فاتورة الوقود.
•متابعة تنفيذ مشروع محطة الضبعة النووية (5 جيجاوات) وفق الجدول الزمني.
•مواجهة فاقد وسرقة التيار الكهربائي الذي يصل إلى 30% من الاستهلاك.
•تكثيف صيانة محطات الكهرباء وشبكات النقل والتوزيع.
•زيادة أعمدة الإنارة بالطاقة الشمسية.
•مناشدات للمواطنين بترشيد الاستهلاك، خاصة أجهزة التكييف، إذ يصل الاستهلاك في الصيف إلى 40 جيجا مقابل 31 جيجا في الشتاء.
■ ماذا عن قطاع البترول وخططه المستقبلية؟
بدأ القطاع التفاوض لتأمين 5 محطات تغويز لاستيراد الغاز المسال، ما يعزز القدرة على سد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.
كما تم توقيع بروتوكولات مع قبرص لربط حقولها بمحطات الإسالة المصرية، وهو ما يمنح مصر ميزة تنافسية في تصدير الغاز.
■ دار لغط كبير بشأن المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي لزيادة الإمدادات.. فما تعليقكم؟
المحادثات بدأت مع الطرف الآخر على زيادة الكميات نسبيًا، إلا أنهم طلبوا زيادة الأسعار وهو ما قابلته مصر بالرفض. وانتهت المحادثات في بداية الشهر الجاري على زيادة الغاز الوارد من إسرائيل من مليار إلى 1.5 مليار قدم مكعب دون زيادة في الأسعار، وبناءً عليه تم تمديد الاتفاق لمدة 15 عامًا بقيمة 35 مليار دولار، وهو ما يمنح مصر مرونة.
■ ما أبرز التجارب الرائدة في تطوير تقنيات الطاقة عالميًا؟
الدول الكبرى تتجه بقوة نحو البحث عن بدائل للوقود الأحفوري. الصين مثلًا قطعت شوطًا كبيرًا في تطوير تقنيات مبتكرة للطاقة المتجددة:
•تخزين الطاقة: تطورت تقنيات البطاريات بشكل كبير. على سبيل المثال، سيارات «تيسلا» الأمريكية كانت سعتها التخزينية 400 – 600 كم، بينما وصلت «BYD» الصينية إلى 1000 كم.
•طاقة الرياح: طوّر الصينيون توربينات يمكنها العمل بسرعات منخفضة جدًا تصل إلى 3 أمتار في الثانية بعد أن كان الحد الأدنى المطلوب 7 أمتار.
•الطاقة الشمسية: بديلًا عن التخزين في بطاريات مكلفة، اتجهوا إلى تخزين حرارة الشمس في محلول محلي تتجاوز حرارته 500 درجة مئوية، ما يسمح باستخدامها لتوليد البخار ليلاً.
•الهيدروجين: تعمل الصين على استخراجه من الماء بالتحليل الكهربائي باستخدام الطاقة الشمسية، ما يسمح بإنتاج وقود نظيف للسيارات والسفن.

■ وأين نحن من هذه التطورات؟
مصر تواجه تحديات كبيرة بسبب خلل في العلاقة بين ثلاثة أضلاع أساسية: الصناعة، التعليم، والبحث والتطوير. التعليم والبحث العلمي في مرتبة متأخرة عالميًا، والسبب ضعف التمويل. فبينما تخصص الصين 15% من إيراداتها للبحث والتطوير، لا تتجاوز النسبة في مصر 3% وغالبًا ما يتم خفضها.
رغم ذلك، توجد بعض المؤسسات القادرة على تمويل البحث والتطوير مثل الهيئة العربية للتصنيع، التي تعمل على شراكات استراتيجية مع مالكي التكنولوجيا العالميين. وهو ما يفسر توجه مصر لهذه المؤسسات لتنفيذ مشروعات كبرى في الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية.
■ لماذا تأخر تنفيذ الخط الرابط بين مصر وقبرص؟
الخيار الأنسب كان ربط الغاز القبرصي بحقل «ظُهر» المصري ليتم ضخه بالشبكة القومية أو تصديره عبر دمياط. لكن ذلك تطلب موافقة الشريك الأجنبي «شيفرون» لضم التكاليف ضمن مصروفات تطوير الحقل، وهو ما استغرق مفاوضات 6 سنوات حتى تمت الموافقة العام الماضي، وبدأ التنفيذ، ومن المتوقع انتهاء العمل في يونيو المقبل.
■ هل ترى أن إنتاج مصر من الزيت الخام مناسب لحجمها؟
حجم الإنتاج ليس المقياس الوحيد لنجاح الاقتصاد. فمصر تنتج 500 ألف برميل يوميًا لسكانها البالغين 108 ملايين، بينما الهند تنتج 50 ألف برميل فقط لسكان 1.5 مليار نسمة، ومع ذلك هي رابع أكبر اقتصاد عالمي. السر في تعظيم القيمة المضافة من الموارد.
—————————-
الهند عرفت كيف تستغل العلم لتعظيم مواردها، من تغطية الترع بألواح شمسية لتوليد الكهرباء، إلى تحويل المخلفات الزراعية إلى وقود حيوي. اليابان وكوريا الجنوبية كذلك، رغم عدم امتلاكهما موارد نفطية.
⸻
■ ما رأيك في أسعار الغاز الحالية للمصانع؟
حتى 8 دولارات للمليون وحدة حرارية، لا توجد مشكلة. السعر حاليًا يتراوح بين 4.5 و5.5 حسب النشاط.
■ هل الهيدروجين الأخضر مجرد فقاعة؟
الهيدروجين الأخضر حل مستقبلي تحركه الجدوى الاقتصادية. كما تحولت مصانع الأسمنت للفحم عندما ارتفعت أسعار الغاز، سيتحولون للهيدروجين الأخضر عندما يصبح أوفر. حاليًا سعر اللتر يتجاوز 2 دولار مقابل 70 سنتًا للوقود التقليدي، لكنه يصبح جذابًا إذا ارتفعت أسعار الغاز كما حدث في أوروبا.
■ ومتى تبدأ مصر في استخدامه فعليًا؟
في الستينيات كانت مصر رائدة، إذ كان مصنع «كيما» بأسوان أول منتج للهيدروجين الأخضر بالشرق الأوسط باستخدام كهرباء السد العالي. لكننا تراجعنا عندما أنشأنا «كيما 2» بالغاز الطبيعي. المستقبل الآن يتجه نحو مزيج: 20% هيدروجين أخضر + 80% وقود تقليدي لتوازن التكلفة.
■ كلمة أخيرة في نهاية الحوار؟
الطاقة علم يجب أن ننظر إليه من منظور شامل. ليس المطلوب حرق الوقود فقط لتوليد الكهرباء والنقل. الأفضل أن نوجه الوقود الأمثل للاستخدام الأمثل، مع تبني حوافز ضريبية وإعفاءات جمركية لمشروعات الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية.
بهذا نستطيع جذب الاستثمارات، توطين التكنولوجيا، خلق فرص عمل، وزيادة القيمة المضافة لصالح الاقتصاد الوطني.