الجمعة 15 أغسطس 2025 الموافق 21 صفر 1447

جمال طه يكتب: اتفاق الغاز مع إسرائيل وتأثيره على أمن الطاقة في مصر

116
المستقبل اليوم

أثار تعديل اتفاق الغاز الإسرائيلي في 7 أغسطس 2025، جدلًا لدى الرأي العام المصري والعربي، سواء بسبب الحساسية تجاه التعاون مع إسرائيل، أو لزعزعة موقف مصر الرافض لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.. هذه الحملة المضادة ينبغي التصدي لها بحقائق دامغة، توقف المزايدات، وهنا نطرح عشر نقاط جديرة بالاهتمام:

أولا: لا توجد اتفاقات تعاون بين حكومتي مصر واسرائيل في مجال الغاز، كل الاتفاقات تمت بين استثمارات أجنبية وشركات قطاع أعمال في الدولتين، الطرف الأول يمثل كونسورتيوم حقول الإنتاج، والطرف الثاني يعبر عن محطات إسالة الغاز:

*  الطرف الأول الممثل لحقل ليفياثان هو شركة NewMed Energy نيابة عن الملاك «شركة شيفرون 39.66%، نيوميد إنرجي 22.67%، ديليك دريلينج 22.67%، راتيو إنرجيز 15%»، أما حقل تمار فيمثله وفد الشركاء «شركة إيسرامكو 28.75%، شيفرون 25%، تمار بتروليوم 16.75%، مبادلة الإماراتية للطاقة 11%، سوكار 10%، دور غاز 4%، إيفرست 3.5%، آرون فرانكل 1%».

*  الطرف الثاني الممثل لمعملي إسالة الغاز في إدكو ودمياط هو شركة Blue Ocean Energy، التي تمثل ملاك معمل إدكو «شركة شل بنسبة 35.5%، بتروناس الماليزية 35.5%، الشركة القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" 12%، الهيئة المصرية العامة للبترول 12%، إنجي الفرنسية 5%»، وكذا شركاء معمل دمياط «شركة إيني الإيطالية بنسبة 50%، إيجاس 40%، الهيئة العامة للبترول10%».

ثانيا:  ممثلو معامل الإسالة في مصر وحقول الإنتاج بإسرائيل وقعوا اتفاقا واحدا في فبراير 2018، بعد التوافق على تسوية غرامات التحكيم الدولي التي فرضتها غرفة التجارة الدولية ICC، ومركز الاستثمار الدولي (ICSID)، ضد الهيئة العامة للبترول وشركة «إيجاس» بسبب توقفهما عن تنفيذ اتفاق تزويد إسرائيل بالغاز عام 2012 [1.76 مليار دولار لصالح شركة الكهرباء، و1.03 مليار لرجل الأعمال يوسى ميمان ومساهمين بشركة غاز شرق المتوسط، و2.13 مليار لشركة «يونيون فينوسا الإسبانية الإيطالية» المالكة السابقة لمعمل الإسالة بدمياط].

تضمنت التسوية الاستحواذ على حصص المتقاضين لإعدام الغرامات استجابة لشرط مصر، حجم الاتفاق 64 مليار متر3 مقابل 15 مليار دولار لمدة 10 سنوات، تم التعديل الأول في أكتوبر 2019 لزيادة الكمية الى 85.3 مليار بقيمة 19.5 مليار دولار ولمدة 15 عاما، والتعديل الثاني في 7 أغسطس 2025 بزيادتها الى 130 مليار متر3 بقيمة 35 مليار دولار وفترة توريد حتى عام 2040.. الاتفاق بأطرافه وتعديلاته ذي طابع اقتصادي وتجاري بحت، لا علاقة له بالحكومات أو السياسة.

ثالثا: المردود الاقتصادي للاتفاق على مصر بالغ الأهمية؛ فثمن مليون وحدة حرارية 7.75 دولار، يتم نقلها من حقول الانتاج عبر الأنابيب دون تكلفة نقل، لضخها في الشبكة القومية للغاز مباشرة.. أما السعر العالمي لشراء مليون وحدة حرارية من الغاز المسال فهو 13.5 دولار، يضاف اليها مصاريف النقل، وتكلفة إعادته للحالة الغازية «التغويز».. مصر تعاقدت على استيراد 155/160 شحنة غاز مسال بالأسعار العالمية لسد الفجوة خلال عام 2025، بتكلفة 8 مليارات دولار، واستأجرت 4 سفن تغويز «هوج غاليون، إنرجوس إسكيمو، بروميثيوس، إنرجوس باور»، ايجار الواحدة يتراوح بين 100 الى 250 ألف دولار/يوم، بخلاف تكلفة التشغيل.. الفوارق الاقتصادية كما تبدو مهولة.

رابعًا: مصر تسعي لدعم نفوذها لدى دول الاتحاد الأوروبي، بتفعيل مذكرة التفاهم التي وقعت بالقاهرة في 15 يونيو 2022 بين الاتحاد ومصر وإسرائيل، لزيادة صادرات الغاز المسال عبر معملي دمياط وإدكو.. مصر صدرت عام 2021 حوالي 8.9 مليار متر3 عائداتها 3.5 مليار دولار، انخفضت الى 7 مليارات متر3 عام 2022 بقيمة 8.4 مليار دولار نتيجة ارتفاع الأسعار بسبب الحرب الأوكرانية، ثم 8.3 مليون متر3 عام 2023، و1.15 مليار متر3 عام 2024.. الاتفاق يوقف ذلك التراجع، ويرفع عائدات رسوم مرور الغاز للمصانع، وضرائب القيمة المضافة لعمليات الإسالة وعائدات التصدير والشحن، فضلا عن تشجيع الاستثمارات الأوروبية في استكشاف وإنتاج الغاز.  

خامسًا: الاتفاق يُنهي أزمة قطاع الأسمدة والبتروكيماويات الاستراتيجي، الذي توقف الحكومة إمداداته حال نقص الغاز، رغم استهلاكه من 9 الى 10% فقط من إجمالي استهلاك مصر، لتعطي أولوية لقطاع الكهرباء الذي يستهلك 60%.. هذا القطاع الاستراتيجي حقق قرابة 9 مليارات دولار عام 2024 تمثل 22% من عائدات الصادرات المصرية، وخلال الخمس شهور الأولى من 2025 حقق عائدات 3.889 مليار دولار، بزيادة 12% عن نظيرتها في 2024، لذلك فإن اتفاق الغاز يعزز قدرته على زيادة تدفقات النقد الأجنبي.

سادسًا: معمل الإسالة بدمياط تكلف 1.3 مليار دولار، وطاقته الإنتاجية 5 مليون طن/عام، ومعمل إدكو تكلف 2.085 مليار، بطاقة 7.5 طن/عام، أعلى معدلات تشغيلهما أقل من 50% من طاقتهما الإنتاجية، وغالبًا ما يتوقفان جزئيًا أو كليًا لفترات طويلة بسبب نقص الغاز، في إهدارا لطاقات إنتاجية يمكنها توفير فرص تشغيل وضرائب وعائدات تصدير وخلافه.. اتفاق الغاز ينهى مشاكلهما.

سابعًا: مصر حققت الاكتفاء الذاتي من الغاز عام 2018 بإنتاج 58.6 مليار متر3، ثم بدأ التراجع «64.5 مليار متر3 عام 2022، ثم 57.1 مليار متر3 عام 2023، و49.4 مليار متر3 عام 2024»، في المقابل ارتفع الاستهلاك الى 62.5 مليار متر3، ما يعني وجود عجز مقداره 13.1 مليار متر3.. في المقابل زاد انتاج الغاز الاسرائيلي بنفس معدلات تراجع مثيله بمصر!! رغم أن حقلي «ظُهر وليفياثان» يفصل بينهما 270 كيلو مترا، ما يعنى اشتراكهما في الخزان الجوفي.. الفارق مستوى مهني رفيع لإدارة قطاع مقابل عشوائية وسوء إدارة للآخر.

ثامنًا: سد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك فرض الاستيراد من إسرائيل «2.2 مليار متر3 عام 2020، و4.2 عام 2021، و6.3 عام 2022، 8.7 عام 2023، 10.6 عام 2024» بمجموع إجمالي 32 مليار متر3 خلال خمس سنوات، القيمة الاجمالية للواردات على مدى خمس سنوات ونصف من عام 2020 حتى مايو 2025 بلغت 8.2 مليار دولار، وهي نفس تكلفة التعاقد على استيراد 155/160 شحنة غاز مسال لسد الفجوة خلال عام 2025 فقط، ما أكد الحتمية الاقتصادية لاتفاق الغاز.

تاسعًا: التساؤل الجدير بالإجابة؛ هل استيراد الغاز الإسرائيلي يؤثر على أمن الطاقة بمصر؟! والاجابة القاطعة لا استنادا لخمس حقائق الأولى: أن متوسط معدلات استيراد الغاز الإسرائيلي بامتداد خمس أعوام ونصف 4.6 متر3/عام، تمثل 7.36% من حجم استهلاك مصر السنوي، 9.3% من إجمالي انتاج مصر، و35% فقط من حجم الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.. الثانية: بدأت مصر منذ عام 2024 تنفيذ برنامج تعزيز الطاقة الإنتاجية لحقل ظهر، والتنقيب عن الغاز بتكلفة 1.8 مليار دولار في شرق المتوسط ودلتا النيل بحفر 35 بئراً خلال عامين، والبدايات مبشرة.. الثالثة: مصر تتعاقد مع قطر والكويت والجزائر على شحنات ضخمة تغطي لما بعد عام 2030.. الرابعة: لا تملك إسرائيل ولا مصر توظيف اتفاق الغاز سياسيا، والا تعرضا لغرامات التحكيم الدولي المعجزة.. الخامسة: ليس لدي إسرائيل مشتري للغاز سوى مصر وتلك اعتمادية كاملة، مقابل تنويع مصر لمصادرها.  

وأخيرا: تسمح التغيرات الجيوسياسية التي تمت في المنطقة، بإحياء مشروع خط أنابيب الغاز من قطر الى أوروبا عبر سوريا وتركيا، كما تلعب الولايات المتحدة دور الوساطة لمصالحة إسرائيل وتركيا، والأخيرة تسعي لمد خط انابيب بحري لنقل غاز شرق المتوسط الى أوروبا، كما تدرس مد ممر تجاري يجمع الغاز والنفط العراقي والسوري لنقله الى أوروبا، هذه المشاريع تهمش مصر، لذلك فإن اتفاق الغاز الاسرائيلي وما سبقه من اتفاق لاستقبال الغاز القبرصي يعزز موقع مصر كمركز للغاز بالمنطقة، ويسمح بتحقيق مستهدفات خطة زيادة الصادرات إلى 15.6 مليار متر3، ودعم صادرات 
الأسمدة والبتروكيماويات والأسمنت كثيفة الاستهلاك للطاقة.

عشر نقاط موضوعية رقمية.. بعدها، لاموضع للصخب، ولا لأي تساؤلات عن جدوى الاتفاق؟!

نقلاً عن : المصري اليوم 




تم نسخ الرابط