السبت 25 أكتوبر 2025 الموافق 03 جمادى الأولى 1447

رسالتي للسلطة المختصة: لا تحرقوا محمد مصطفى

2804
د محمد مصطفى
د محمد مصطفى

أعرف الدكتور محمد مصطفى منذ سنوات طويلة، قبل أن يصبح “بروفسيرًا” وقبل أن يلمع اسمه في قطاع البترول. عاصرته عن قرب في شركة صيانكو، وهناك توطدت بيننا علاقة صداقة حقيقية امتدت لما يقرب من ثمانية عشر عامًا، لم تنقطع خلالها صلات الود، ولم تتبدل ملامح الاحترام المتبادل يوماً.

شهدت له كما يشهد له غيري، بسموّ الأخلاق ورفعة الأدب وهدوء الطباع. رجل يمد يده للجميع، لا يبخل بمساعدة، ولا يتأخر عن عون أحد. يحمل قلبًا أبيض لا يعرف الحقد، وضميرًا حيًا لا يعرف المواربة.

بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير هام 2011 شهدت شركة صيانكو ـ كغيرها من شركات قطاع البترول ـ تغيرات واسعة. صدرت قرارات باستبعاد عدد من القيادات ونقل آخرين إلى شركات مختلفة، بناءً على توصيات من جهات عليا حققت ودققت ثم رأت ما رأت.

ورغم أن الدكتور محمد مصطفى كان أحد قيادات صيانكو في ذلك الوقت، إلا أن نظافة يده وبعده عن أي شبهة جعلت منه شخصية بعيدة عن مرمى النيران. وظل شامخًا بمواقفه، نظيف السيرة والسلوك، حتى وإن ضاق عليه المناخ داخل الشركة بعد أن أكمل دراساته العليا ونال درجة علمية رفيعة.

انتقل محمد مصطفى إلى الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية – إيجاس، وكان ذلك في وقت تأسيس لجنة التعاقدات التي أطلقها في حينه الأستاذ إبراهيم خطاب، وكيل الوزارة للشئون الإدارية. ومنذ ذلك الحين، لم نسمع عن الدكتور محمد مصطفى سوى الثناء الحسن، سواء من زملائه أو من رؤسائه. فقد كان مثالًا في الانضباط والتعاون وحسن المعاملة. قامت اللجنة على أكتاف نخبة من جيل الوسط وهو واحد منهم، وكان من أبرزهم الأستاذ محمد ثابت الذي يشغل اليوم رئاسة اللجنة ومساعد إنبي للشئون الإدارية .

كان لابد أن يتغير المسار الوظيفي لمحمد مصطفى، كما حدث مع كثير من زملائه في العلاقات العامة الذين أصبحوا بعد ذلك مسئولين عن الشئون الإدارية في عدد من الشركات. ومن بين هؤلاء محمد ثابت وحسن محمود ومحمد مصطفى نفسه، وغيرهم.

وقع الاختيار عليه ليكون مديرًا عامًا للشئون الإدارية بشركة عجيبة للبترول. وربما لو سُئلت أنا شخصيًا في ذلك الوقت، لكنت تمنيت له أن يبدأ تجربته الجديدة في إحدى شركات الغاز الطبيعي لا في “عجيبة”. فهو ابن قطاع الغاز، وابن “إيجاس” التي تضم تحت مظلتها أكثر من 18 شركة، وكان من المنطقي أن يتولى مسئولية في إحدى الشركات التابعة لها مثل خدمات الغاز أو مودرن أو غيرها من الشركات التي تنتمي إلى بيئته الطبيعية.

أما إذا كان الهدف هو دمجه في القطاع المشترك، فكانت شركات مثل بتروشهد أو بتروسيله أو نوربيتكو أكثر ملاءمة لمرحلة انتقالية أولى، إذ تتيح بيئة الشركات الصغيرة والمتوسطة فرصة حقيقية لإبراز الجهد والقدرة، دون الدخول في تعقيدات الشركات الكبرى. وأذكر هنا مثال محمد ثابت في بتروشهد، فقد كانت تلك التجربة بداية ناجحة مهدت له طريقه فيما بعد إلى شركة إنبي.

لم يكن اختيار عجيبة للبترول موفقًا في تقديري. فالشركة كبيرة وعريقة، نعم، لكنها تعاني من ثبات النمط وتكرار الوتيرة الإدارية وصعوبة تحريك المياه الراكدة.هي شركة تحتاج إلى قيادة أنهت مشوارها المهني وتستعد للتقاعد بهدوء، لا إلى رجل في منتصف العطاء يفيض بالحيوية والطموح كالدكتور محمد مصطفى.

أنا لا أتحدث هنا عن الخلافات التي قيل إنها حدثت بينه وبين الدكتورة بوسي راغب مساعد رئيس الشركة للشئون المالية، أو مع المهندس ثروت الجندي رئيس الشركة، فهذه أمور قد تكون طبيعية في بيئة عمل مثل عجيبة، بحكم طبيعة الشركة وجغرافيتها الإدارية. ما أتحدث عنه هو القرار ذاته، ومن فكر فيه، ومن رشحه، ومن رأى أن هذا المكان هو الأنسب له!

ثم جاء قرار نقله إلى شركة جابكو، وكان أيضًا قرارًا غير موفق. فطبيعة جابكو لا تختلف كثيرًا عن عجيبة: شركاء أجانب، إدارة متجذرة، ونمط إداري شديد التعقيد.وليس أدل على ذلك مما يواجهه اليوم كثير من الزملاء هناك من تحديات وصعوبات، وليس في ذلك عيب، فهذه طبيعة العمل في الشركات الإنتاجية الكبرى. وربما الاستثناء الوحيد هو الدكتور وليد حفني في بتروبل، الذي لم يواجه مثل هذه الصعوبات لأنه ابن الشركة وتدرج فيها على مدار أكثر من ثلاثة وثلاثين عامًا. وأحمد الشحات الذي تدرج في شركات الإنتاج على مدى سنوات. 

ومن منطلق الودّ والحرص على رجل نقي القلب صافي السريرة، أقول: إن الدكتور محمد مصطفى مكانه في شركات الغاز، لا في شركات الإنتاج.على الأقل في هذه المرحلة،  فهو يعرف النشاط والعاملين فيه عن ظهر قلب، ويملك من الخبرة والعلاقات ما يجعله ينجح فيها أكثر من أي مكان آخر.

ورسالتي إلى السلطة المختصة واضحة: أنقذوا محمد مصطفى ولا تحرقوه. فهو لم يُخلق ليواجه الصراعات، بل ليعمل ويبدع ويُثمر.
رجل هادئ الطباع، محب للناس، لا يطلب أكثر من بيئة عمل تقدر علمه وأخلاقه وإنسانيته.لأن من يعرف الدكتور محمد مصطفى يدرك أن حديثي هذا ليس مجاملة، بل شهادة حق لرجل شريف، ظل طوال عمره يختار طريق الصواب، ويمضي فيه بثقة وهدوء، دون أن يتنازل عن مبادئه أو يغير مواقفه.

#المستقبل_البترولي




تم نسخ الرابط