دمج الإداريين وسردية الترقيات والنافخين في النار

أثارت تصريحات رئيس الهيئة حول دمج الإداريين في العملية الإنتاجية ردود فعل، أغلبها لم يدرك المعنى الحقيقي لما وراء تلك التصريحات والمفهوم المقصود منها. فانبرت الأقلام إما مدافعة أو ناقدة وناقمة على الوضع الحالي.
والحقيقة أن الوضع الراهن هو نتاج عوامل عديدة تراكمت عبر سنوات طويلة، تعود في الأساس إلى اختلال توازن قوة العمل بين الوظائف الإدارية المساندة بكافة أشكالها، والوظائف الفنية المكتبية والميدانية. فظل هناك صراع محتدم بين هذه الأجنحة ومحاولات مستميتة من كل طرف لفرض سيطرته على مجريات الأمور.
لكن المثير أن تصريحات رئيس الهيئة، التي تناولها البعض بسطحية شديدة، لم يكن المقصود بها تحويل الإداريين إلى فنيين أو إشراكهم في العمل الفني بالصورة المجردة، وإنما كان الهدف الأساسي منها هو دمج فكر هؤلاء في مواجهة مشاكل القطاع العاتية، وتحميلهم جزءًا من المسؤولية تجاه التحديات الكبيرة التي يواجهها القطاع، وعلى رأسها زيادة الإنتاج، خاصة بعدما أعلن في ورشة بتروسبورت أن الإنتاج يجب أن يتضاعف لتغطية الحد الأدنى من احتياجات البلاد مع ارتفاع الفاتورة الاستيرادية إلى أرقام مفزعة.
هذه التصريحات تمثل ترجمة واقعية لمعاناة قيادات القطاع من وجود شريحة كبيرة من العاملين لا تشعر بعمق التحديات، حيث يضع الكثيرون جهدهم في البحث عن الترقيات والمميزات لا غير. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ملف الترقيات والتعيينات أصبح سردية قائمة بذاتها، لها أدواتها وأشخاصها، ممن يتعمدون النفخ في نارها ليضعوا العاملين في حالة هلع دائم؛ إما طلبًا أو انتظارًا، فيتناسون الهدف الأسمى وهو الإنتاج.
ويجب أن يكون هناك موقف حاسم من هؤلاء الأشخاص المعروفين داخل شركاتهم، والذين يستخدمون مواقعهم كمنصات لإشعال نيران الغضب واللهفة في صفوف العاملين عبر طلبات ومناشدات لا تنتهي.
تصريحات رئيس الهيئة عن دمج الإداريين لا يجب أن تُؤخذ بسطحية كما أوضحنا، فهي رسالة موجهة إلى شريحة واسعة من أبناء القطاع بأن الوضع لم يعد يحتمل أخلاقيات السعي وراء المصالح الشخصية فقط، وأن على الجميع أن ينتبه جيدًا لواجبه ومسؤوليته، سواء كان إداريًا أو قانونيًا أو فنيًا، وأن يبدي قدرًا من التنازل المطلوب في الأوقات الصعبة.
إطلاق مثل هذا التصريح هو أيضًا رسالة واضحة لمثيري المشاكل الناتجة عن غياب العمل الحقيقي في بعض المواقع، وما يصاحبها من تجاوزات ومحاولات للانتفاع بمزايا بسيطة وربما تافهة، لكنها تخلق حالة من التناحر تُضعف روح العمل وتزرع الإحباط بين جموع العاملين، الذين يعتقدون أنه لا جدوى من أي جهد يُبذل طالما ظل هذا الوضع قائمًا.
إن تصريحات رئيس الهيئة تنقل النقاش إلى مساحات جديدة ومقصودة، وتلقي الضوء على كثير من المشكلات التي تفادى السابقون الخوض فيها تحت شعار “دع الأمور تسير كما هي”. لكنه أدرك أن الاستمرار على هذا النحو سيؤدي إلى فقدان التوازن وضياع الجهود وتقويض الأساس الذي يقوم عليه القطاع.
انتبهوا جيدًا: إنها رسائل تحذير أخيرة، وهناك إجراءات صارمة قادمة لا محالة.
المستقبل البترولي