السبت 22 نوفمبر 2025 الموافق 01 جمادى الثانية 1447

مجرد رأي: أخيراً تكلّم أحمد راندي

1282
راندي- داوود- نوران
راندي- داوود- نوران

لا شك أن إدارة الإعلام بوزارة البترول باتت تُغرِّد في فضاء أوسع وأرحب مما كانت عليه سابقاً، وكأنها غيّرت مفاهيمها وأدواتها وحتى المكان الذي كانت تتحرك فيه. لقد بدأت تطرق الأبواب من أوسعها، وتنفض الغبار عن قيادات طالما انتظر العاملون ــ ونحن معهم ــ أن يخرجوا ويطلّوا علينا متحدثين أو حتى مغرّدين عبر صفحاتهم.

وأخيراً ظهر أحمد راندي، متحدثاً عبر بودكاست وزارة البترول، ونجح محمد داوود في إخراجه من حالة الصمت التي لزمها طويلاً. والحقيقة أنها لم تكن حالة صمت بقدر ما كانت التزاماً بعدم الحديث أو الكتابة أو الرد إلا في أضيق الحدود، وبناءً على توجيهات من السلطة الأعلى… وأعني هنا الوزير.

ظهر أحمد راندي ليتحدث عن العنصر البشري، وهو موضوع يعنيني شخصياً؛ فلا قيمة لشيء إلا بالعنصر البشري، ولا تقدم ولا نجاح إلا به. نبني مباني ونرفع الطوبة فوق الطوبة وكأننا لم نفعل شيئاً… لأننا لم نراهن على البشر من البداية، بل كان الرهان دائماً على الحجر المزركش بشكله الجميل، رغم أنه من الداخل خَرِب.

تحدث أحمد راندي عن العاملين، وكيف كان لتوجيهات الوزير مفعول السحر في اكتشاف قيادات شابة والدفع بها إلى الصفوف الأولى. كما تطرق بشكل مقتضب إلى موضوع دمج شركتي خالدة وقارون. وهو موضوع قد لا يعنيه بنفس القدر الذي يعني وكلاء الوزارة الفنيين أو رئيس الهيئة، لكن ما أعطى لكلامه أهمية أنه الشاهد الوحيد من بين القيادات الحالية على هذا الدمج. وجاء حديثه في سياق طبيعي يرتبط بالعنصر البشري؛ فشركة خالدة بعد الدمج تجاوز عدد عامليها 13 ألف موظف، وهذا كان المعوق الأول والأكبر أمام عملية الدمج: لوائح، مرتبات، بوكسات، وظائف متنازع عليها، واختصاصات متشابهة… وهذا ما جعل السياق منسجماً ومترابطاً.

كنت أتمنى أن أرى حديثاً مطوّلاً مع أحمد راندي، يمتد لساعة أو ساعتين أو حتى عشر ساعات. فمهما طال الوقت سيستمع إليه الجميع. لقد كانوا في انتظار الوعد… “صلاح الدين الذي سيحرر القدس”. هكذا يرونه: يودّون سماعه ليتحدث عن الكثير… عن المستبعدين ولماذا استُبعدوا، وعن مظاليم القطاع ولماذا ظُلموا، وعن طريقة اختيار القيادات والمعايير المتَّبعة، وعن عضويات مجالس الإدارات ولماذا تُمنح للبعض دون الآخر، وعن هيكلة القطاع وتطويره وتحديثه ولماذا توقفت، وعن الفترة الطويلة التي قضاها مع المهندس طارق الملا مقارنة بفترة المهندس كريم بدوي.

أشياء كثيرة يريد “المواطن البترولي” أن يسمعها من أحمد راندي… وليس من أحد غيره.

لكن ما يغفر عدم الإطالة هو حرفية محمد داوود. فلو خصّص حلقة كاملة لأحمد راندي لما كان ليسلم هو أو راندي من الألسنة، وربما خرج البعض مدّعين أنها محاولة “تجميل” لراندي، أو محاولة لإظهار قدرة الوزير على ترك قياداته تتحدث… وغير ذلك مما لا داعي لذكره. لذلك جاء ظهور راندي في سياق حوار جمع عدداً من الوجوه الشابة والمتوسطة والمختلفة وظائفياً، في زيارة لم يكن مخططاً أن تشهد هذا الحديث. ربما جاء فجأة… وهذا سر عظمة ما قيل وما ظهر.

البودكاست اتخذ طريقه الصحيح، وبات أكثر حرفية من ذي قبل. حتى مقدمته نوران أحمد أصبحت أكثر جرأة واتزاناً، لا تبالغ في مظهرها ولا تتصنع، وطريقة جلستها وحركة يديها وتعابيرها باتت أكثر ثباتاً… وهذا خاضع لعنصر الوقت والخبرة.

أما أحمد راندي، فظهر تلقائياً وعفوياً، الكلمات تخرج منه بسهولة وسلاسة وكأنه يتحدث أمام الكاميرات كل يوم. حتى جلسته وحركة يديه وتعابير وجهه جاءت بسيطة وطبيعية، وهذا ما أكسبه شعبية واسعة ظهرت خلال الساعات الماضية عبر تعليقات المتابعين على فيسبوك ووسائل التواصل الأخرى.

ومنذ شهور كتبنا عن أحمد راندي بعد أن أمضى عاماً مع المهندس كريم بدوي، وقلنا:
“على مدى أكثر من عام، وجد أحمد راندي، وكيل وزارة البترول للشئون الإدارية، نفسه في قلب العاصفة، تحت ضغوط متواصلة واختبارات حقيقية لقدرته على الصمود والإدارة. لكن الأيام أثبتت أن هذا الشاب الخلوق ليس مجرد موظف في منصب رفيع، بل قائد يعرف جيداً كيف يمسك بزمام الأمور، ويعبر بسفينة الشئون الإدارية إلى بر الأمان رغم تلاطم الأمواج.”

راندي الذي تربى في بيت القطاع ونهل خبراته من عظمائه ــ وعلى رأسهم الأستاذ الكبير إبراهيم خطاب ــ أثبت أن أبناء القطاع أحق بقيادته من أي أحد. سنوات طويلة قضاها في “المطبخ الإداري” متنقلاً بين تفاصيل العمل ومتشرباً فلسفته وحكمة التعامل مع كل الأطراف، لم تذهب هباءً. وجاءت اللحظة التي استدعى فيها كل ما تعلمه ليخوض أصعب اختبار في مسيرته… ونجح.

لم تؤثر فيه الشائعات التي رُوّجت عند رحيل الوزير السابق المهندس طارق الملا، إذ اختار ألا يلتفت إليها، وظل يعمل لأنه ابن المنظومة… انتماؤه لها ولرسالتها، لا لشخص بعينه. وهذه الروح المهنية كانت أحد أسرار صموده.

ورغم جسامة التحديات وتشابك الملفات، بقي أحمد راندي سنداً قوياً وداعماً أساسياً للمهندس كريم بدوي، يسانده في كل خطواته ويشير عليه بما هو أصلح للقطاع والعاملين. لم يكتف بالمتابعة اليومية، بل كانت عينه على الصورة الكبرى، حريصاً على استقرار الأجواء وتحقيق الانسجام بين الوزارة وشركاتها.

لقد كانت مهمة أحمد راندي اختباراً عملياً لفكرة تمكين القيادات الشابة. واليوم يمكن القول بثقة إن الرجل اجتاز الامتحان، وأثبت أن الكفاءة والخبرة هما رأس المال الحقيقي لصناعة القادة.

وهكذا يظل أحمد راندي نموذجاً للرجل الذي يواجه الضغوط بابتسامة وهدوء، ويؤكد أن الانتماء والخبرة هما أساس القيادة الناجحة.

وفي النهاية… مبروك لمحمد داوود هذا النهج الجديد، ومبروك ظهور أحمد راندي، وظهور مشرّف لنوران أحمد.

#سقراط




تم نسخ الرابط