هل لجنة نقابة المهندسين في حادث خليج السويس قانونية ؟ (تقرير)

من أسوأ ما يُعطِّل منظومة العمل، ويُدخلنا في معادلة صفرية دائمة، هو تداخل الاختصاصات، واختلاف الرؤى والتوجهات، وغياب التنسيق بين الجهات المعنية.
فمصابنا جلل، في حادث البارج المنكوب بخليج السويس ،لا جدال فيه، والنفوس مفجوعة حائرة أمام هذا العدد من الضحايا والمصابين في حادث لم نشهد له مثيلًا منذ نصف قرن أو يزيد.
لكن، ورغم الألم، يجب أن يُعلو صوت العقل والحكمة، فنفهم ما جرى، ونحلّله، ونتعلم منه، كي لا يتكرر.
وفي هذا السياق، يثير الاستغراب إعلان نقابة المهندسين المصرية عن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وهو إجراء لا سند قانوني أو إداري له، إذ أن الجهة الإدارية المختصة والحصرية بهذا الحادث هي وزارة البترول والثروة المعدنية، بوصفها صاحبة الولاية الكاملة على نشاط الشركات العاملة في القطاع، وبخاصة شركة “أوسوكو” التي وقع الحادث في نطاق عملها.
فما هو دور لجنة نقابة المهندسين؟ ولمن سترفع تقريرها؟ وماذا لو تضمّن التقرير اتهامًا أو إدانة لأطراف معينة؟
ومن سيُخول لها الإطلاع على المستندات ومراجعة الأوراق وسماع الشهادات؟
إن النقابة بهذا التصرف قد وضعت نفسها في مأزق قانوني وإداري، بتجاوزها سلطة الجهة التنفيذية المختصة. فالمعتاد أن يكون لنقابة المهندسين دور فني استشاري يُطلب منها عبر تكليف رسمي من جهة قضائية مختصة، وغالبًا ما تكون النيابة العامة، في القضايا ذات البُعد الفني التي ينجم عنها ضحايا أو إصابات، ولم تُشر النقابة في قرارها إلى صدور أي تكليف من هذا النوع.
في المقابل، فإن وزارة البترول قد أحسنت صُنعًا حين بادرت إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق متخصصة بالأمس ، ضمت كبار الخبراء في العمليات البحرية، والسلامة، والشؤون القانونية، لجنة متوازنة، واضحة المهام، متكاملة الرؤية، وتُعِد تقريرًا رسميًا نهائيًا يُبنى عليه القرار.
ومن هنا، فإننا نناشد الوزارة إصدار بيان رسمي عاجل يؤكد عدم استقبال أي لجان خارجية إلا من خلال الجهات القضائية المختصة، حفاظًا على النظام الإداري، وسلامة الإجراءات، ودرءًا للفوضى التي قد تنجم عن تقارير متضاربة.
وزارة البترول وزارة عريقة وكبيرة، مليئة بالخبرات، وتملك القدرة على احتواء الأزمة وتوجيهها نحو المسار الصحيح، حتى ولو انتهت نتائج التحقيقات إلى إحالة المقصرين إلى النيابة العامة، فإن الوزارة لن تتوانى عن ذلك، بكل شفافية، وبعيدًا عن أي اعتبارات شخصية، فلا أحد فوق المحاسبة.
نحن على ثقة في لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها الوزارة، ونأمل أن يصدر تقريرها في أقرب وقت، وأن يُحاسَب كل من يثبت تورطه في هذا الحادث الأليم، سواء كان ذلك عن جهل أو عن إهمال، فكلاهما جرم لا يُغتفر.