هوامش على قضية عباس ورابح
لا شك أن قرار تجميد نشاط الأستاذ رابح عسل، رئيس نقابة جاسكو ونائب رئيس نقابة البترول، من قِبل رئيس النقابة العامة الأستاذ عباس صابر، ألقى بظلال كثيفة على المجتمع النقابي داخل قطاع البترول. ولا شك أيضاً أن كلا الطرفين يمتلك من الحجج والمبررات ما يدعم رؤيته ويعزز موقفه، فالطرفان زملاء مهنة وقطاع، تجمعهما علاقات ممتدة منذ سنوات طويلة، والجدل في القضايا النقابية أمر طبيعي، بل هو عنصر قوة لأي عمل نقابي حقيقي؛ فالحركة النقابية من دون شد وجذب تصبح بلا روح ولا قيمة، ما دام النقاش يدور داخل إطار الصالح العام للعاملين والنقابة معًا.
لست هنا بصدد سرد ما جرى أو تحليل تفاصيله، ولا أسعى إلى الدفاع عن طرف أو تبني موقف طرف آخر؛ فهذا ليس هدفي. لكن ما يثير الاستغراب هو ما نُشر خلال الأيام الماضية من تصريحات منسوبة لطرف ضد الآخر. وأنا أجزم—عن معرفة شخصية—أن الأستاذ عباس صابر لم يُدلِ بأي حديث لأي صحفي، كما أجزم أن الأستاذ رابح عسل لم يتحدث بدوره مع أحد. وما نُشر من “تصريحات” ليس إلا اجتهادات شخصية من أشخاص يسعون إلى صناعة مشاهد مفتعلة لا أكثر، طالما أنها غير موثقة أو مصورة أو صادرة بشكل رسمي.
لهذا وجب التنويه بأن كل ما يُكتب أو يُقال دون توثيق لا يُحسب على أي من الطرفين. فالرجلان يمتلكان من الشجاعة الأدبية والمهنية ما يسمح لهما بالظهور والحديث متى شاءا، لكنهما يدركان بحكم تجربتهما أن الانفعال الإعلامي سيوسع رقعة الخلاف ويزيد الأمور اشتعالًا، ولهذا آثرا الصمت حرصًا على النقابة والعاملين. ومن المؤسف أن البعض يحاول الاصطياد في الماء العكر، متجاهلين أن الطرفين تربطهما زمالة وصداقة تتجاوز العشرين عامًا.
ثمة نقطة أخرى لا بد من التوقف عندها: نقابة البترول لم تُعدم قياداتها، فهي تضم شخصيات نقابية تحظى بالاحترام والتقدير، وعلى رأسهم الأستاذ عباس، والسادة: أحمد السروجي، وأشرف المحروقي، وعايدة محيي، ورابح عسل، وهيثم زاد، وأحمد الجوهري، وعلاء زكي وكل أعضاء المجلس التنفيذي. هؤلاء يعملون ليل نهار من أجل حل مشكلات العاملين في قطاع واسع ومتشعب، فهل يعجزون عن احتواء مسألة داخلية كهذه؟ بالتأكيد لا. فهم يمتلكون من الخبرة والأدوات ما يكفي لرأب أي صدع مهما كان حجمه.
كما أن نقابة البترول لها رموز كبيرة صنعت تاريخها الحديث، ومن حسن الطالع أن النقابة أفرزت وزيرين توليا حقيبة العمل، هما: السيد محمد سعفان، والسيد محمد جبران. ورغم مواقعهم ومكانتهم، لا يزالان يتمتعان بتقدير كبير داخل المجتمع النقابي، ويستطيعان التدخل إن أرادا لتقريب وجهات النظر، وهذا ليس عيباً ولا ينتقص من أحد، بل هو دور طبيعي لشخصيات يُنظر إليها باعتبارها “أيقونات” العمل النقابي خلال العشرين عامًا الماضية.
ولا أرى مبررًا لوصلات الشكر المتبادلة التي تُشعل صدور البعض وتُفسر على أنها اصطفاف لطرف ضد آخر. فأنا أعرف الجميع معرفة شخصية، وأكن لهم جميعًا كل المحبة والاحترام، ومع ذلك آثرت الابتعاد، لأنني لست أحق بالتدخل من العملاقين سعفان وجبران، وهما الأقرب وجدانيًا ومهنيًا لدى كل النقابيين البتروليين.
غدًا ستهدأ العاصفة، وسيكتشف كل من حاول استغلال الأزمة أو النفخ فيها أنه لم يحصد من أفعاله إلا اللوم على نفسه. أما النقابة ورجالها، فسيبقون قادرين على تجاوز مثل هذه السحابات العابرة، كما فعلوا دائمًا.
#حكاوي_علام