الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447

وائل عطية يكتب: قراءة في التقرير الرسمي لأديبك 2025… مؤشرات تكشف مستقبل الطاقة

358
المستقبل اليوم

شهدت أبو ظبي هذا العام واحدًا من أكثر إصدارات معرض ومؤتمر أديبك زخمًا وتأثيرًا في تاريخه، حيث تحوّل الحدث إلى منصة عالمية لإعادة قراءة مشهد الطاقة وتحديد ملامح المرحلة المقبلة. وكل ما ورد في التقرير الرسمي لأديبك 2025 يؤكد أن مستقبل الصناعة لم يعد قائمًا على معادلات “التخلي” و“الاستبدال”، بل على مفهوم جديد بدأ يفرض نفسه بقوة: الإضافة لا الاستبدال

منذ اللحظة الأولى لافتتاح الحدث، بدا واضحًا أن العالم حضر إلى أبو ظبي بدافع البحث عن حلول واقعية لمعادلة الطاقة المتزايدة تعقيدًا. الأروقة المزدحمة لم تكن مجرد صورة لحضور واسع، بل مؤشر على حالة استنفار عالمي تجاه المستقبل. فالتقرير يكشف عن مشاركة 239,709 زائر من 172 دولة، وأكثر من 2,250 شركة عالمية، إلى جانب 45 وزيرًا و1,800 متحدث وضعوا على المنصة أهم ملامح النقاش العالمي حول الطاقة. أما الصفقات فقد بلغت 35 ألف صفقة بقيمة 46 مليار دولار، وهو رقم يعكس حجم الثقة في أديبك وقدرته على دفع الاستثمار العالمي قُدمًا.

جاء خطاب الدكتور سلطان أحمد الجابر وزير الصناعة ورئيس شركة أدنوك في الافتتاح ليضع إطارًا فكريًا واضحًا لما ينتظر العالم من تحولات. فقد دعا إلى تجاوز الضوضاء والتركيز على البيانات، مؤكدًا أن الحديث عن “مرحلة ما بعد النفط” يتجاهل حقائق اقتصادية وواقعية صارخة. وأشار بالأرقام إلى قفزة غير مسبوقة في الطلب: الكهرباء ستزيد أربعة أضعاف بحلول 2040 بفعل الذكاء الاصطناعي، و1.5 مليار إنسان سينتقلون إلى المدن، وأسطول الطيران العالمي سيتضاعف، بينما سيظل النفط فوق حاجز 100 مليون برميل يوميًا لسنوات طويلة، ولكن بصور استخدام مختلفة.

ورغم أن الذكاء الاصطناعي يُقدَّم عالميًا بوصفه الحل السحري لزيادة الكفاءة، إلا أن التقرير يسلّط الضوء على وجه آخر للقصة: فهو نفسه المحرك الأكبر للطلب على الطاقة. التقرير يظهر أرقام لم تكن مطروحة سابقًا في أي محفل للطاقة؛ مراكز البيانات ستستهلك نحو 945 تيرا وات/ساعة في 2030، وقد تتجاوز 1,720 تيرا وات/ساعة في 2035. كان هذا إعلان صريح أن المستقبل رقمي… لكن هذا المستقبل يحتاج كهرباء أكثر مما كان العالم يتوقع.

غير أن التحديات لا تقف عند مستوى الطلب وحده. فالتقرير يحذر من “أزمة بنية تحتية كهربائية” قد تتحول إلى أخطر معوقات التنمية. العالم يحتاج إلى 6 ملايين كيلومتر جديدة من خطوط النقل، بينما لا يزال 700 مليون إنسان بلا كهرباء و2 مليار يحصلون على كهرباء غير مستقرة. هذه الفجوة الكبرى تظهر بوضوح انفجار الطلب من قطاعات الصناعة والنقل ومراكز البيانات.

ولأن المستقبل لن يكون قائمًا على مصدر واحد للطاقة، جاء التقرير ليعزز رؤية “مزيج الطاقة”. فالغاز، بحسب قادة شركات عالمية مثل NNPC وقطر للطاقة، هو جسر المستقبل، بينما يقترب الهيدروجين من تحقيق الجدوى التجارية لكنه يحتاج سياسات ثابتة، فيما تعود الطاقة النووية بقوة من خلال المفاعلات الصغيرة SMR وأنظمة إدارة النفايات. ويرصد التقرير نموًا في الطلب العالمي على الغاز قد يتجاوز 1,000 مليار متر مكعب بحلول 2050.

الاستثمارات بدورها دخلت مرحلة جديدة من الضخامة. فالعالم يحتاج إلى 4 تريليونات دولار سنويًا للاستثمار في الطاقة والبنية التحتية حتى 2040، فيما يصل الاستثمار العالمي في الطاقة إلى 3.3 تريليون دولار في 2025. أما أديبك وحده فقد شهد توقيع صفقات بـ 46 مليار دولار هذا العام، بينما تبدو تقنيات الذكاء الاصطناعي في طريقها لاقتطاع نصف الاستثمارات بحلول 2030.

وبينما يسود القلق العالمي من أن الذكاء الاصطناعي قد يهدد وظائف البشر، يأتي التقرير ليقدم توصيفًا أكثر دقة: الذكاء الاصطناعي لن يستبدل البشر… بل سيضاعف قدراتهم. أدنوك درّبت 20 ألف موظف على حلول الذكاء الاصطناعي.

أما أهم ما يلفت النظر فهو حضور جيل الشباب: 1,600 طالب شاركوا في برنامج  Young ADIPEC، و65 مدرسة دخلت تحدي خفض الميثان، بينما قدّم الطلاب مشاريع بحثية تعكس وعيًا مبكرًا بمستقبل الطاقة النظيفة. إنها رسالة أن التحول الحقيقي يبدأ من المدارس… لا من المنصات العالمية وحدها.

يخرج تقرير أديبك 2025 ليقدّم قراءة شاملة لمشهد عالمي يتغير بسرعة مذهلة. الطلب على الطاقة يرتفع بفعل الذكاء الاصطناعي والتوسع الصناعي والتحضر، والبنية التحتية تحتاج إلى إعادة بناء شاملة، ومصادر الطاقة لن تكون بديلة لبعضها، بل مكملة.
لقد كان أديبك هذا العام أكثر من معرض… كان مرآة للعالم كما هو، وللمستقبل كما سيكون.




تم نسخ الرابط