د•عزة سامي تكتب: تعرف مين هناك؟ بين ديناميكيات السلطة والنجاح المستحق في بيئات العمل

من منّا لم يسمع أو يستخدم عبارة "تعرف مين هناك؟" في مواقف حياتية متعددة: تقديم استمارة في مدرسة، إصدار رخصة قيادة، حجز في مستشفى، أو حتى إنهاء إجراء في جهة حكومية أو خاصة. في تلك اللحظات، قد تشعر أن أمرك قد قُضي بنجاح، لكنك تدرك أن هذه الأولوية جاءت على حساب آخرين، وربما حرمت فرصة كانت متاحة لغيرك.
بيئة العمل (البعض وليس الكل)
قد تفتح المعرفة الشخصية باب الدخول إلى بعض المؤسسات، سواء في القطاعين العام أو الخاص، لكن البقاء والتقدم في المسار المهني يجب أن يُبنى أساسًا على الكفاءة والاجتهاد. ومع ذلك، قد تؤثر في بعض البيئات عوامل غير موضوعية، مثل العلاقات الشخصية أو الدعم الداخلي، على قرارات حيوية، وهو ما قد يحدّ من تطبيق العدالة التنظيمية بالشكل الأمثل.
يشير التحيز المؤسسي (Institutional Bias) إلى أنماط التفضيل أو التمييز الممنهجة داخل المنظمات، والتي تُضعف من مستوي العدالة التنظيمية (Organizational Justice)، وهو ما ينعكس سلبًا على معنويات الموظفين وأدائهم، كما بينت نتائج الدراسات التحليلية الشاملة لـ Colquitt وآخرين (2001).
مفارقات الواقع: لا عجب أن بعض الأشخاص تُقضى مصالحهم ويحصلون على امتيازات استثنائية في وقت قياسي، حتى في مؤسسات تضم مئات الموظفين. وفي المقابل، قد تظل طلبات مشروعة معلقة لغيرهم لسنوات.
البعض يتساءل علناً، والبعض الآخر يكتفي بالصمت خوفاً، لكن الحقيقة واضحة لمن يبصرها. وإذا اجتمع عنصر الواسطة مع صفات شخصية جاذبة مثل اللباقة، سرعة البديهة، الكياسة، والأناقة، يصبح الشخص نموذجًا مكتمل الأركان، يحظى بالدعم الدائم والترقي السريع.
السؤال المحوري: هل الكفاءة وحدها تكفي؟ وهل النجاح حق يُنتزع أم فضل يُمنح؟
ديناميكيات السلطة:
أما المدراء، فتتباين مواقفهم بين:
• من يسعى لترسيخ العدالة التنظيمية قدر المستطاع.
• من يستخدم أدوات السيطرة والتهديد لضبط الإيقاع.
• ومن يجمع بين التأهيل العلمي والاعتدال في القيادة.
خبر وزارة البترول – فرصة وتحدي
أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية اليوم عن تفويض رؤساء الهيئة والشركات في بعض صلاحيات الترقيات والندب والنقل، دعمًا لتنمية العنصر البشري ورفع كفاءة العمل، وفق رؤية مصر 2030 ومبدأ الشفافية.
لكن نجاح هذه الخطوة والصلاحيات مرهون بتطبيق العدالة التنظيمية وضمان الرقابة، والقياس بمؤشرات أداء رئيسية "KPIs"، في هذا السياق وعلى سبيل المثال نسبة الترقيات المبنية على تقييم الأداء، وعدد الشكاوى المتعلقة بالتحيز، ومدة الاستجابة لطلبات النقل أو الندب. هذه المؤشرات، إذا طُبقت ورُصدت دوريًا، تضمن أن القرارات الإدارية تخدم الكفاءة الحقيقية وتحد من أي ممارسات غير عادلة. وإلا يعيدنا إلى جوهر الإشكالية.
ختامًا: تحقيق العدالة التنظيمية يتطلب قيادة واعية وثقافة مؤسسية تضع الكفاءة وأخلاقيات العمل “Work Ethics” أولًا، وتؤمن بأن النجاح لا يُقاس بمن "يعرف من"، بل بمن "يصنع الفرق".
ومن الإنصاف القول إن الوزارة، بقراراتها الأخيرة، تُعيد الأمور إلى نصابها وتدفع باتجاه المسار الصحيح، بما يعزز الثقة ويحفز الجميع على الاجتهاد.
إن قدر الله لنا في العمر بقية، فربما لنا في الحياة لقاء .....