الثلاثاء 04 نوفمبر 2025 الموافق 13 جمادى الأولى 1447

كلنا أبناء القاتل..فماذا تنتظرون ..عثمان علام

471
عثمان علام
عثمان علام

لقد مات هابيل… المخلص الطاهر الذي لم يعرف في قلبه سوى الصفاء والإيمان، مات دون أن يترك خلفه نسلًا يحمل طيبته، أو يورّث الأرض سلامه،رحل مبكرًا على يد أخيه، أول قاتل في تاريخ البشر، لتبدأ من بعده قصة الإنسان…القاتل والضحية في آن واحد.

منذ أن رفع قابيل يده على أخيه، انشق الوجود إلى خطين لا يلتقيان: خط البراءة المذبوحة، وخط الدم السائل الذي صار ميراثنا الأول، ومنذ ذلك اليوم، لم يأتِ الإنسان إلى الدنيا من نسل هابيل، بل من صلب قاتله، ولهذا، لا عجب أن نرى في كل واحد منّا شرارة من قابيل، تختبئ تحت رماد الحضارة وتنتظر لحظة الغضب لتشتعل.

نحن أبناء القاتل، نحمل في جيناتنا خوفه وقلقه وشعوره الدائم بالذنب، نحاول أن نصلح العالم الذي أفسده، نبني المدن ونرفع المعابد ونكتب الشرائع، لكننا ما نزال نعيد المشهد نفسه بأشكال جديدة  نقتل لا بالحجارة هذه المرة، بل بالكلمة، بالموقف، بالإهمال، وبالأنانية التي تجعلنا نُقصي الآخرين كما أقصى قابيل أخاه.

لقد مات هابيل دون أن يُكمل رسالته، ففقدت البشرية المثال الحيّ على النقاء، صوته لا يزال يأتي من الأرض: دم أخي صارخ إليّ من الأرض، لكننا، أبناء القاتل، اعتدنا الصراخ حتى لم نعد نسمع.

ربما لهذا يتعثر الإنسان في سعيه نحو الكمال، فكل محاولاته للخير مشوبة بخطيئة أولى لم تُكفَّر بعد، نحاول أن نكون طيبين، أن نغفر، أن نحب، لكن ظلّ قابيل يرافقنا دائمًا، يهمس فينا حين نغار، حين نغضب، حين نبرر لأنفسنا أن “الآخر يستحق ما حدث.”

إننا نحمل ذنبًا قديمًا لا نذكره، لكنه يسكن في وعينا الجمعي. لذلك، كلما اندلعت حرب، أو انهار ضمير، أو خان إنسان أخاه، نتذكر دون أن نشعر: لقد مات هابيل بلا أبناء، فصرنا جميعًا أبناء القاتل.

ومع ذلك، لا يزال في داخلنا قبس من الحنين إلى الأصل النقي، إلى ذاك الأخ الذي كان يمكن أن يكون أبانا لو لم تمتد إليه يد الغيرة. لعلنا نكتب، ونحب ونحلم، لا لأننا طيبون بطبيعتنا، بل لأننا نحاول في كل مرة أن نُعيد الحياة إلى هابيل الذي قتلناه منذ فجر الخليقة.
#حكاوي_علام

 




تم نسخ الرابط