السبت 26 يوليو 2025 الموافق 01 صفر 1447

مجرد رأي…"لبانة"تجريف القيادات

1023
المستقبل اليوم

لا أعلم على وجه التحديد من أطلق هذا التعبير وساهم في نشره داخل القطاع، لكنه بلا شك يعكس حالة من الغضب والاستياء إزاء غياب الرؤية في إعداد ورعاية قيادات مؤهلة لتولي المسؤولية.

تعبير “التجريف” هنا يحمل دلالته المادية الصريحة: حرث الأرض وإفساد ما بها من بذور حتى لا تنمو وتزدهر ، وقد تعالت الأصوات وارتفعت الاتهامات بأن الوزير السابق هو من تَعمّد هذا التجريف، لمنع أي قيادة من الوصول إلى الحقيبة الوزارية من بعده.

ورغم أن هذا التصور يتجاوز أحيانًا حدود المنطق والمقبول، إلا أنه سلط الضوء على أزمة حقيقية يعاني منها القطاع، كانت من أبرز نتائجها أن الوزير الحالي جرى اختياره من خارج الهيكل الإداري العريق للقطاع، على خلاف ما كان متبعًا في السابق، بل وعلى غير نهج باقي الوزارات كذلك.

وقد جاء هذا الاختيار كدليل واقعي وصريح على غياب الكفاءات المؤهلة لحمل هذه الحقيبة الثقيلة في هذا التوقيت. لكن المشكلة ليست في أشخاص مثل طارق الملا أو سامح فهمي، بل في ظروف عامة أفرزت جيلًا من القيادات يركض خلف المكاسب المادية البسيطة، من اجتماعات وبدلات، ويُلحّ في طلب الترقية المستمرة، مما يدفع الوزير المختص للتعامل معهم بمنطق “الأستاذ والتلميذ”، فيغيب الندّ، وتضعف القدرة على تحمل المسؤولية.

وللإنصاف، لا يعني هذا أن القطاع يخلو من الكفاءات، بل هناك أسماء كبيرة فرضت نفسها بشخصيتها وكاريزمتها، تمامًا كما تُمنح موهبة الغناء أو التمثيل لأشخاص دون غيرهم، فتصنع منهم نجوماً. ومن هذه الأسماء: المهندس شريف إسماعيل، والمهندس محمد الشيمي، والمهندس أسامة كمال، والمهندس طارق الحديدي، وغيرهم ممن كانت القيادة بالنسبة لهم قدرة لا وظيفة.

المشكلة الحقيقية أن كثيرًا من القيادات الحالية انشغلوا بتفاصيل صغيرة، فتجد رئيس شركة يتحدث بفخر عن إصلاح بئر أو معدة، ويعتبر ذلك دليلاً على كفاءته وجهده النادر، رغم أن هذه المهام تقع ضمن اختصاصات أقل بكثير من منصبه. بينما تتطلب المناصب العليا، لا سيما السياسية منها، مقاييس مختلفة تمامًا: الثقة بالنفس، الثقافة العامة والمحلية والدولية، الحضور، اللغة، التاريخ الوظيفي النظيف، وفوق ذلك كله، القدرة على التفكير الاستراتيجي المجرد، البعيد عن التفاصيل الفنية.

القيادة ليست لقبًا أو وظيفة، بل هي قدرات ومهارات تتجسد في الفكر والسلوك والممارسة. لذا فإن القيادات الحالية بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل نفسي، وعلمي، وثقافي ، تحتاج إلى المشاركة الجادة في المحافل المحلية والدولية، لا لمجرد السفر، بل من خلال الأبحاث والرؤى الاستراتيجية والمساهمة في تقديم حلول للمشاكل الحقيقية.

واسمحوا لي أن أكرر: التميز الفني أو التقني وحده لا يصنع قائدًا. هناك الكثير مما ينبغي تعلمه، وهناك جهد يجب أن يُبذل في سبيل تطوير الذات والقراءة والتعلم…فهكذا فقط تُصنع القيادة.والسلام،

#سقراط




تم نسخ الرابط