زيارة بدر الدين وسياسة العِناد الصحي
عندما زار الوزير هذه الشركة مرتين، بدا واضحاً أنه كان غاضباً من شيء ما، وغالباً كان السبب يتعلق بتراجع نشاطها في زيادة الإنتاج، فهذا هو السبب الوحيد الذي يجعل الوزير غير راضٍ. وكان المشهد الدرامي الذي رأيناه ، دليلاً على وجود خطأ لا يمكن تجاوزه. هذا المشهد انطبع في أذهان العاملين كون الشركة تعرضت لعقاب سريع عقب تلك الزيارة.
ثم جاءت زيارة رئيس الهيئة خلال الساعات الماضية لتزيح هذه الصفحة جانباً، وتعيد العلاقات الودية بين السلطة المختصة والشركة خلال أسابيع قليلة. الزيارة لها مغزى وتحمل العديد من الشواهد التي تؤكد هذا المعنى.
أولها: أن كل ما يُتخذ من قرارات لا يحمل أي دوافع شخصية، وإنما تحكمه مصلحة العمل والقطاع في المقام الأول.
ثانيها: أن وجود بعض الأشخاص بتوجهاتهم وسياساتهم وطريقة تعاملهم ، هو ما يؤدي احياناً إلى خلق حالة الاحتقان التي تسببت في تلك القرارات الصعبة.
ثالثها: أن التغيير وإن جاء على خلفية ساخنة محتدمة—لا بد أن يحدث فارقاً في كل أمور العمل، وهذا ما يجب أن نعيه ونقدّره جيداً ونعمل عليه.
رابعها: أن سياسة العِناد في الحق والمصلحة العامة هي سياسة جديدة يدشّنها رئيس الهيئة بزيارته لهذه الشركة. والعناد هنا حق وواجب على القيادة لمتابعة سير الأحداث والإصرار على أن تقوم الشركة بدورها وترسيخ مبدأ “العمل أولاً” بلا أي اعتبارات شخصية. هذه السياسة يعرفها الأجانب جيداً في طبيعة عملهم، بينما للأسف لا نجيدها نحن، إذ نميل دائماً إلى تغليب الدوافع الشخصية في اتخاذ القرارات.
زيارة عبد الكريم هي زيارة بأدوات العمل الأجنبي المحترف، الذي لا يأبه بأي مشاعر سلبية سابقة، قد تكون مختلقة أو مترسّبة، وما يهمه هو عودة الشركة لحظيرة العمل العام بلا خلفيات، وأن ما حدث قد طوته الأيام، وأن المستقبل لا يتوقف على أشخاص مهما كانت أسماؤهم أو مواقعهم. واعتقد ان الشريك الذي يمثله واحد من اكبر قيادات القطاع سابقاً شطارة وادب واخلاق وخوف على القطاع والبلد "نبيل عبدالصادق" مغزى الزيارة جيداً، وكانت الشخصيات التي استقبلت عبد الكريم مختلفة وبأرفع مستوى إداري لديهم، من رئيس الشركة الجديد خالد عبدالسلام إلى المدير الإقليمي الأجنبي للشريك، وهو تناغم يدل على صحة الفكرة. ولذلك كانت الزيارة فنية وسياسية في المقام الأول.
سياسة العناد الصحي في اتجاه الإصلاح خطوة على الطريق الصحيح، كونها تعبيراً عن الإصرار على تحقيق الأهداف. وشركة مثل بدر الدين، التي تُعد إحدى قواعد قطاع البترول التاريخية والهامة، يجب أن تحظى بكل الجهد وتطبيق كافة السياسات الصحيحة لإعادة دورها المحوري في زيادة الإنتاج، الهدف الذي لا يمكن إغفاله بأي حال.
وهناك شركات أخرى تحتاج إلى إجراءات تصحيحية عنيفة، كتلك التي تعرضت لها بدر الدين، تتبعها سياسة العناد الصحي التي دشنها رئيس الهيئة بجدارة. ونتمنى أن نرى ذلك قريباً.
المستقبل البترولي