الأحد 02 نوفمبر 2025 الموافق 11 جمادى الأولى 1447

أحمد البري يكتب: فى اليوم العالمي للحريم..فكر وكأنك رئيس المصلحة

267
المستقبل اليوم

كانت هذه الجملة هي خاتمة الخواطر المتكاثرة داخل رأسي والتي قطعها ومزقها إرباً صوت ارتطام بين السيارة التي يقودها صديقي وسيارة أجرة من فئة الميني باص توقفت فجأة في نهر الطريق، أعقب صوت الارتطام صوت صراخ لثلاثة من النسوة زميلات صديقي في العمل وكان قد عرض عليهن ونحن في طريق العودة توصيلة إلى أقرب محطة مترو .

في لحظات كان صديقي ذو الجسد المكتنز قد خرج من سيارته وبسرعة خلع جاكت بذلته ونظارته الشمسية وساعة يده وبدأ في تشمير ذراعيه معلناً بدأ معركة صوتية لا طائل من ورائها سوى المزيد من التوتر وارتفاع ضغط الدم، هبطت مسرعاً من السيارة ونسيت أو تناسيت نظارتي الطبية التي سقطت من على وجهي أثر قوة الفرامل ، حاولت إثناء صديقي عن الدخول في عركة لا طائل من ورائها سوى فرجة المارة علينا، خاصة أن سيارته لم ينالها من هذا الاحتكاك سوى أضرار بسيطة في الدهان يمكن علاجها دون الذهاب إلى متخصص، أزاحني صديقي من أمام وجهه في حركة مسرحية ونظر بتحدي إلى السائق الأخر قائلاً بصوت عال " سيبني ...أنا لازم أربي أمه" .

عادت تلك التساؤلات في غير وقتها تشتبك داخل رأسي 
ولماذا يربي أمه ولا يربي أبوه!!
ولماذا نصيب الأم في قاموس الشتائم يتجاوز نصيب الأب بعشرات الصفحات!!حتى في بعض الدول الناطقة بالعربية والتي من العيب فيها سب الأم يتم سب الأخت الأنثى بأقذع الألفاظ .

ثم لماذا عندما ينعت الدهماء رجلاً ما يصفونه بأنه "ربايةمرة" 
قطع صوت سائق الأتوبيس حبل التساؤلات قائلاً بصوت جهوري وموجهاً أصبعه السبابة إلى الفراغ " أتكل على الله و هاعديهالك علشان معاك حريم"
رنت في أذني كلمة "حريم" ولكن لم تلق لدي بالا ولم أهتم إلا أن طيف الكلمة "حريم" ظل يفتش داخل رأسي عن معنى دون اهتداء السبيل.

صاح صديقي الغاضب ذو العروق النافرة قائلاً "وحياتك ما تعرف تعمل حاجة، أنت مش عارف بتكلم مين" ما أن نطق صديق بتلك العبارة المأثورة في مجتمعنا العامر “أنت مش عارف بتكلم مين!!" حتى أدركت أن تلك المناطحة الصوتية قد ألت إلى أفولها وشددت صديقي من ذراعه وتجمع المارة منهم من يربت على كتفه و منهم من يقدم له النصح و الإرشاد ، مجمعين على أن العراك و معاك حريم مش أصول ولا مرجلة، أكاد أن أجزم أني سمعت كلمة حريم بما لا يقل عن عشر مرات من ذكور و إناث تتباين أعمارهم و طبقاتهم الاجتماعية، حتى أنني عدت مسرعاً إلى السيارة أفتش عن نظارتي الطبية ولحسن الحظ وجدتها قابعة عند دواسات الأقدام في قاع السيارة .

ربما كان مصدر القلق بالنسبة لي هو أن عقلي يترجم الألفاظ بالمعنى الحرفي لها وكلمة حريم لها معاني متعددة في العربية الفصحى، لكن الصورة التي قفزت إلى ذهني هي الصورة التي شاهدتها أثناء تجوالي المتكرر داخل المباني الأثرية المشيدة خلال فترات الحكم الفاطمي والعثماني وصولاً إلى فترة المماليك، فعلى اختلاف تصاميم تلك المباني السكنية إلا أن القاسم المشترك بينهم هو وجود جناح مستقل يسمى "الحرملك" و داخل هذا الجناح كان مستقر النسوة من زوجات و جواري ومحظيات و أحيانا أطفال إن وجدوا ، أي أن "الحرملك" كان مستقر "الحريم" التابعات أو المملوكات بتعبير أدق ل "الذكر" صاحب الدار، وهناك العديد من الكتب والدراسات الهامة التي تخصصت في دراسة الحرملك وكيف أثر على النظر إلى المرأة في منطقة الشرق وحوض البحر المتوسط .

وضعت النضارة سريعا على وجهي ونظرت بتمعن وتفحص مريب إلى النسوة الجالسات في المقعد الخلفي، متوقعاً أن أجد أحداهن ترتدي اليشمق أو الساتان الفضفاض الذي أعتاد الحريم ارتداءه خلال تلك الفترات، لكنهم كانوا يرتدين الملابس المعتادة دون شطط أو شذوذ، إذن لماذا أتفق أغلب المارة على وصفهن بالحريم؟
انطلقنا بالسيارة بعد نهاية جولة الصياح المتبادل وأخرجت من شنطة اليد التي لا تفارقني ورقة وقلم، مقتدياً بخاطرة "فكر وكأنك رئيس المصلحة" بدأت كتابة ما نصه:-
 
السيدات والسادة الحضور الكرام، تحية طيبة لكم جميعاً
لقد اجتمعنا اليوم للاحتفال باليوم العالمي للمرأة، ذلك اليوم الذي تأسس بغرض تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات وزيادة الوعي حول قضايا المرأة، ومكافحة التمييز والعنف ضدها، والمطالبة بحقوقها كاملة
وأقول لكم، إن الإيمان والممارسة الفعلية للمبادئ السابق ذكرها لهو أمر أبعد من مجرد احتفاليه تجمعنا، بل هو أحد الحدود الفاصلة بين الحضارة والبداءة، فنحن أبناء أرض في أوج حضارتها كانت النساء فيها معبودات ولهن مكانة وحقوق غير منقوصة، وجدران المعابد وحفريات الأثار نحت عليها صور النساء والفتيات المصريات دون غضاضة وبقيت لنا تلك الشواهد المجسدة معبره عن الإناث كجزء أصيل من هوية تلك المجتمعات الخالدة.

إن المجتمع الذي ينتقص من قدر نساءه هو مجتمع يفكر بنصف عقل، ويتحدث بنصف لسان، ويحجل على قدم واحدة بدلاً عن السير بخطى واثقة، أقرئوا أخبار الأمم وسوف تروا كيف قادت نساء نبيهات أفرادا وشعوباً إلى الرفعة والفلاح 
أعزائي الحضور، إن حرية الفرد إناث أو ذكور هي حق ومسئولية واختيار فلا تكونوا تابعين لأحد ولا متسلطين على أحد، وأعلموا أن ما من أمة تطورت وتقدمت إلا وكانت قيم المساواة والحرية الفردية ركيزة أساسية لا يقبل المساس بها .

وفي ختام الكلمة أود أن أتوجه بتحية من القلب إلى كل أنثى نبتت في صحارا بلادنا ، إلى كل فتاة آمنت بنفسها وصار إيمانها عقيدة وجهاد، إلى كل امرأة تخوض غمار الحياة ومشقة العمل ، إلى كل ربة منزل وهبت العمر والعطاء لأحبائها دون كلل 
والسلام ..إنتهى .




تم نسخ الرابط