الإثنين 11 أغسطس 2025 الموافق 17 صفر 1447

د. جمال القليوبي يكتب: لا طريق للغاز الإسرائيلي إلا عبر الاقتصاد المصري

233
المستقبل اليوم

تدور في إسرائيل، وكذلك في الداخل المصري، كثير من الآراء والنقاشات حول أهمية تجديد التعاقد المصري لاستقبال الغاز الإسرائيلي عبر البنية التحتية في مصر. الكيان الصهيوني المتغطرس يفسر هذا التجديد على أنه انتصار للاقتصاد الإسرائيلي، إذ يرى فيه نجاحًا في تمديد فترة صفقة تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، بما يضمن استمرار احتياج الاقتصاد المصري للغاز الإسرائيلي، الذي يضخ عبر الخط البري من عسقلان إلى العريش.

وقد نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت تصريحات لنتنياهو تعود إلى مارس 2013، وعد فيها الإسرائيليين بأنه سيأتي يوم تستورد فيه مصر الغاز من إسرائيل. وأتذكر هنا أول مؤتمر عقدته شركة “ديليك” الإسرائيلية و”نوبل إنرجي” في قبرص، لبحث أسهل الطرق الممكنة لبناء الخط المجمع لحقول الغاز الإسرائيلية الخمسة في شرق المتوسط، مرورًا بحقوق قبرص، ثم اليونان، وصولًا إلى إيطاليا. هذا المشروع، المعروف الآن باسم إيست ميد، يمتد لنحو 2000 كم، منها 1300 كم بحرية والباقي برية عبر جزيرة كريت وجنوب اليونان حتى إيطاليا، بتكلفة تقارب 12 مليار دولار، وخطة تنفيذية تمتد 6 سنوات.

إسرائيل تمتلك نحو 7 حقول غاز في المتوسط، منها: نوح، شمشون، داليت، تنين، ليفياثان، تمار، وكاريش. الحقول الرئيسية المنتجة يوميًا هي: ليفياثان، تمار، وكاريش، بينما الحقلان الآخران (نوح وتنين) استولت عليهما إسرائيل بشكل عدواني على خطوط التماس الحدودية بين الخطين 23 و29 من الجانب اللبناني. ويبلغ الإنتاج اليومي الحالي نحو 2.6 مليار قدم مكعب، منها:
• ليفياثان: 1.1 مليار قدم مكعب يوميًا.
• تمار: 975 مليون قدم مكعب يوميًا.
• كاريش: 525 مليون قدم مكعب يوميًا.

تصدّر إسرائيل نحو 1.1 مليار قدم مكعب يوميًا، منها 850 مليون قدم مكعب إلى مصر عبر خط عسقلان–العريش، و250 مليون قدم مكعب إلى الأردن عبر خط بيت شان–إربد. وتستهلك داخليًا نحو 1.5 مليار قدم مكعب، يذهب منها 950 مليون لمحطات الكهرباء (شركة معاريف)، و450 مليون لمصانع الأسمدة والبتروكيماويات، والباقي للمصانع والمنازل والمستوطنات.

في المقابل، بذلت مصر جهدًا هائلًا لبناء بنية تحتية قوية للغاز، تشمل مجمعين رئيسيين في شمال بورسعيد والصحراء الغربية، وشبكة خطوط تغطي 28 محافظة، إلى جانب خطوط دولية تصل إلى الأردن وإسرائيل وسوريا ولبنان. كما أنشأت مصنعين من الجيل الثالث لإسالة الغاز، ما نقل مصر إلى مرحلة متقدمة في تداول وتصدير الطاقة، وهيأت الدولة مؤسساتها لتصبح مركزًا إقليميًا للتصنيع الطاقي في منطقة شرق المتوسط، التي تضم أكبر احتياطي عالمي من الغاز، وسط صراعات وقرصنة على المياه الاقتصادية، كما حدث بين إسرائيل ولبنان، أو أمام سواحل غزة، أو بين تركيا وشمال قبرص، أو بين تركيا وليبيا أمام الحدود المصرية–اليونانية.

بفضل القيادة السياسية، نجحت مصر في ترسيم كل حدودها الاقتصادية في البحرين المتوسط والأحمر، ما جنّب المنطقة حروبًا محتملة على الثروات النفطية. كما أسست منتدى غاز شرق المتوسط الذي جمع الدول السبع المطلة على المنطقة، ووضع قواعد لضمان استفادة الجميع اقتصاديًا من ثروات الغاز، مع تأكيد حق مصر في استقبال أي إنتاج من تلك الدول لإعادة تصنيعه أو إسالته وتصديره.

ومن هذا المنطلق، أصبحت مصر وجهة طبيعية للدول التي تفتقر للبنية التحتية لإسالة الغاز، ومنها إسرائيل (حاليًا)، وقبرص (متوقع بدء استقبال غازها في مارس 2026)، ومستقبلاً اليونان ولبنان وسوريا عند استقرار الأوضاع.

الميزة الكبيرة في استقبال الغاز عبر الخطوط – وليس مستوردًا كغاز مسال – هي التكلفة: فالمليون وحدة حرارية من الغاز المسال المستورد تكلف نحو 16 دولارًا (13 دولار سعر الغاز + 3 دولارات شحن وإعادة إسالة)، بينما تصل تكلفة المليون وحدة حرارية من الغاز القادم عبر الخطوط إلى نحو 7 دولارات فقط، أي أقل بنحو 9 دولارات. حاليًا، تمثل واردات الغاز الإسرائيلي نحو 850 مليون قدم مكعب يوميًا، أي حوالي 13% من استهلاك مصر اليومي البالغ 6 مليارات قدم مكعب.

إن استقبال الغاز عبر خطوط دول شرق المتوسط يمثل نجاحًا استراتيجيًا لمصر، لأنه يعزز نفوذها الاقتصادي والسياسي عبر لغة المصالح المشتركة، ويفتح الباب أمام استثمارات في الشراكات البترولية، وخطوط النقل، ومحطات الطاقة المتجددة، وحتى تصدير الكهرباء عبر الربط الشبكي أو الكابلات البحرية لأوروبا.

كما أن السياسة المصرية الخمسية تهدف إلى تنويع مزيج الطاقة، عبر التوسع في محطات الرياح والشمس، وإنشاء محطة نووية، وإنتاج الهيدروجين الأخضر، مما يقلل الاعتماد على الغاز في توليد الكهرباء ويوفر نحو 1.8 مليار قدم مكعب يوميًا، يمكن توجيهها لصناعات القيمة المضافة كالأسمدة والبتروكيماويات.

… وللحديث بقية.




تم نسخ الرابط