الثلاثاء 01 يوليو 2025 الموافق 06 محرم 1447

د جمال القليوبي يكتب: مزيج الهيدروجين مع الغاز الطبيعي لتقليل فاتورة الاستيراد!

167
المستقبل اليوم

دائمًا ما يكون التفكير غير التقليدي في أوقات الأزمات هو السبيل الأمثل والأسرع لتجاوز التحديات بعيدًا عن الأنماط التقليدية. وهنا أستحضر الأزمة الكبرى التي واجهها الاتحاد الأوروبي نتيجة فرض العقوبات الاقتصادية، استجابة للطلب الأمريكي في مجلس الأمن، عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بسبب نية حلف الناتو نشر قواعد صواريخ على البحر الأسود شرق أوكرانيا.

أدت هذه العقوبات إلى توقف إمدادات الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا، والتي كانت تصل عبر خطوط أرضية عدة، أهمها:
• نورد ستريم 1: يصل إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق.
• نورد ستريم 2: كان تحت الإنشاء لزيادة الإمدادات إلى ألمانيا بتكلفة ألمانية، قبل أن تُجمده الحكومة الألمانية.
• • يامال – أوروبا: يمر من روسيا عبر بيلاروسيا وبولندا إلى ألمانيا.
• تورك ستريم: ينقل الغاز إلى تركيا، ومنها إلى بلغاريا وصربيا والمجر ثم باقي دول الاتحاد الأوروبي.

كان الغاز الروسي يمثل نحو 40% من منظومة الاستهلاك الأوروبي، بينما كانت الجزائر تغطي نحو 14% عبر خط “ميدغاز” إلى إسبانيا وإيطاليا، وتنتج النرويج 30% وتغذي أوروبا عبر خطوط “زيوبايب” و”ترول”، إضافة إلى 2% من ليبيا عبر خط “جرين ستريم” إلى إيطاليا. أما الباقي، فكانت أوروبا تحصل عليه عبر صفقات للغاز المسال من:
• الولايات المتحدة (20%)
•• قطر (12%)
• نيجيريا، ترينيداد، ومصر (10%) – قبل انخفاض إنتاج حقل ظهر.

سعى الاتحاد الأوروبي إلى تنويع مصادر الطاقة بعيدًا عن الغاز الروسي، ما أدى إلى تقليص الاعتماد عليه من 40% إلى 15% فقط، مقابل زيادة واردات الغاز المسال من الولايات المتحدة وقطر وأستراليا، بأسعار بلغت ضعف أسعار الغاز الروسي المنقول عبر الأنابيب.

رغم ذلك، واجهت الشبكات الأوروبية نقصًا حادًا في الغاز، مما اضطر بعض الدول للعودة إلى الفحم في التدفئة، وتشغيل محطات الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء. كما امتدت تداعيات النقص إلى اليابان وكوريا الجنوبية، وهما دولتان تستهلكان معًا نحو 68% من إنتاج الغاز الطبيعي المسال عالميًا.

في هذا السياق، بدأت اليابان وكوريا الجنوبية رحلة بحث عن حلول بديلة، فتوجهتا نحو إنتاج الهيدروجين الأصفر باستخدام الكهرباء المولدة من الطاقة النووية عبر التحليل الكهربائي للماء. وبعد إنتاج الهيدروجين، توصلت اليابان إلى تكنولوجيا متقدمة لاستخدامه كوقود، من خلال مزجه بالغاز الطبيعي بنسبة تبدأ من 5% وتصل إلى 30% (هيدروجين) مقابل 70-80% (غاز طبيعي).

كما نجحت اليابان في أول تجربة لإسالة الهيدروجين عند درجة حرارة -253 مئوية، وصنعت أول سفينة مخصصة لنقله، وهي “فوريستر”، التي نقلت أول شحنة سائلة من أستراليا إلى اليابان، حيث تمت إعادة تحويل الهيدروجين إلى غاز وضخه ضمن شبكة توزيع الغاز الطبيعي للمنازل والمصانع.

مع نجاح التجربة اليابانية-الأسترالية عام 2022، بدأت دول أوروبية نقل التجربة، إذ قامت شركات بريطانية متخصصة في استيراد ونقل الغاز، بالتعاون مع جامعة “كلير”، بإجراء تجربة ناجحة لمزج 20% هيدروجين مع 80% ميثان، لتغذية شبكة داخلية تشمل 700 منزل ومصنع ومدرسة، ونجحت التجربة في تلبية احتياجات هذه المنشآت.

من هنا، أرى أن نفس الحل يمكن تطبيقه في مصر، على غرار اليابان وكوريا الجنوبية وبعض دول الاتحاد الأوروبي، باستخدام الكهرباء الناتجة من الطاقة المتجددة أو الطاقة النووية، لإنتاج الهيدروجين عبر التحليل الكهربائي. ويمكن البدء بنسب هيدروجين متدرجة، تبدأ من 10% لتعويض جزء من استهلاك الغاز الطبيعي المستخدم في محطات الكهرباء، والمنازل، والمصانع.

مع العلم أن استهلاكنا اليومي من الغاز يصل إلى نحو 1.8 مليار قدم مكعب، فإن هذا التوفير سيكون له أثر مباشر في تقليل فاتورة استيراد الغاز المسال، مع إمكانية رفع نسبة المزج تدريجيًا حتى 30%، ما يعني تخفيضًا كبيرًا في تكلفة الاستيراد وتحقيق خطوة نوعية نحو أمن الطاقة.

… وإلى تكملة قادمة




تم نسخ الرابط