مجرد رأي…ليس دفاعاً عن كامل الوزير

في كل أزمة يظهرون فجأة، تخرج الوجوه من خلف الستائر، ويتصدرون المشهد كما لو أن الوقت قد حان لإعلان البطولة، يطلقون صرخات الغضب ويشيرون بأصابع الاتهام نحو الحكومة، ويرفعون شعارات المساءلة، يتحدثون عن تقصير الدولة وكأنهم ليسوا جزءًا منها، وكأنهم لم يكونوا شركاء صامتين في كل ما جرى .
إنهم تجار الأزمات…من الإعلاميين والنواب ، الذين لا يظهرون إلا حين يشتد الكرب،الذين يكتفون بالصمت في الأيام العادية، ليخرجوا وقت الكارثة متقمصين دور المنقذ، يصرخون في الفضائيات، يكتبون على الفيسبوك، يتحدثون عن الشعب الذي يعاني وهم أنفسهم لم يسألوا يومًا عن معاناته قبل أن تنفجر الأزمة.
لا أحد يبرئ الحكومة فهي مسؤولة بلا شك، ومسؤوليتها ثقيلة، وعليها أن تتحمل نتائج قراراتها وخططها وأوجه القصور التي تتكرر، لكن ماذا عن الذين وظيفتهم الرقابة؟ أين كانوا قبل أن تقع الأزمة؟ لماذا لم نسمع منهم صوتًا في لجنة أو جلسة برلمانية ؟ لماذا لم يتحركوا إلا بعد أن اشتعل الحريق، ولماذا لم يخمدوه من البداية ، بدلاً من تسخينه واستغلاله وتوجيهه نحو الميكروفونات والكاميرات ؟
أعضاء البرلمان الذين أقسموا يومًا على خدمة الشعب، أين هم من متابعة الأداء؟ أين هي أدوات الرقابة التي أُعطيت لهم؟ أليس دورهم أن يراقبوا التنفيذ قبل وقوع الخلل؟ أليس من مهامهم أن يناقشوا الموازنات والخطط ويوقفوا الهدر، لا أن يتحولوا إلى معلّقين على الأحداث بعد وقوعها؟، لكنهم وللأسف ، لا يتذكرون دورهم إلا وقت المصائب ووقت اقتراب الانتخابات.
وما بين المصيبة والصندوق، تنشط الحسابات السياسية، يُعاد تدوير الوجوه، تُلمع المواقف، ويتحول الوجع الشعبي إلى منصة انتخابية وبرامج حوارية ساخنة.
حتى الإعلامي الذي لم يطرق باب قضية اجتماعية حقيقية منذ سنوات، وكانت معظم حلقاته عن طلاق الفنانيين ، يتحول إلى بطل شعبي، يصرخ على الشاشة ، يتهم ويحلل ويطلب التحقيق، وكأن دم الضحايا لا يُستحق إلا بعد وقوع المصيبة .
إنهم يركبون الموجة دومًا، يتركون المواطن يغرق وحده، ثم يعودون على قوارب التصريحات، ليوزعوا المسؤوليات على الجميع ، ما عدا أنفسهم.
يتاجرون بمآسي الناس كما يتاجر البعض بالدواء وقت الوباء، ينتظرون لحظة الانفجار، ليبنوا عليها مجدًا زائفًا من العبارات الجوفاء، يطالبون بالعدالة وهم أبعد ما يكونوا عنها، يصدرون الغضب وهم من صناع الصمت وسلب الحريات ، يتحدثون عن الشفافية وهم يعيشون خلف زجاج ملون حتى لا يراهم أحد .
لو كانت النوايا صادقة، لرأينا المواقف قبل الكوارث، لو كان الهدف هو الإصلاح، لما غابوا عن ساحات المسؤولية، وظهروا فقط على الشاشات، لكن الحقيقة المرة أن الكثير منهم لا يتحرك إلا عندما يصبح الدم حاضراً والمشهد مثيرًا والرأي العام على أخره .
نحن في وطن يستحق من يخدمه لا من يستغله ، يستحق من يصدُق معه لا من يراهن على وجعه، وطن يستحق رقابة حقيقية لا تُدار من خلف المكاتب وإعلامًا يبحث عن الحقيقة لا عن العناوين الرنانة.
نعم الحكومة مسؤولة ولا أحد ينكر ذلك، لكن من يهرب من مسؤوليته الرقابية والتوعوية والمهنية طوال الوقت، ثم يعود فجأة وقت الألم، ليس سوى تاجر أزمة، والأزمة الحقيقية ليست ما يحدث في الشارع ، بل ما يحدث في الضمائر ، وهي كلمة صادقة قالها وزير النقل الفريق كامل الوزير، لكنها كلمة حق أُويد بها باطل ، لأنها في غير وقتها وفي غير محلها .