شخصيات… معتز عاطف وهذا يكفي

لا شك أن معتز عاطف، كغيره من أبناء جيله، يطمح إلى شق طريقه نحو النجاح وصناعة مجدٍ طالما تاقت له نفسه، ما دامت الفرصة سانحة. هذا الشاب الذي بلغ الخمسين من عمره، يسعى إلى أن يكون له مكان وسط قطاع طالما تغنى الجميع بأمجاده داخل مصر وخارجها. لكن الطموح وحده قد لا يكون كافيًا في ظل المتغيرات، وفي ظل وجود تاريخ محفور في الذاكرة البترولية، يشهد عليه رجال عاشوا بين جدرانه سنواتٍ طويلة.
عمل معتز عاطف داخل الشركات العالمية، واحتك بخبرائها، فتعلّم من ثقافتهم وتشرّب أساليب الإدارة وتنفيذ المشروعات. قد لا تكون مسئولياته هناك بنفس حجم ما تحمّله داخل قطاع البترول، لكنها بالتأكيد صقلت خبراته، وربما جعلت منه مفاوضًا جيدًا، أو متحدثًا فصيحًا حين يجلس معهم على طاولة واحدة، في طريق طويل لجذب الاستثمارات، أو الإقناع، أو تطبيق منهجية عمل جديدة يحتاجها القطاع في هذه المرحلة، أو حتى لمساعدة الوزير في تنفيذها.
ولا يمكن إنكار حقه في ذلك، فقد ظل داخل أروقة القطاع الأجنبي سنوات طويلة، وظهر ذلك بوضوح عندما تولى المكتب الفني بالشركة القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس”. أعتقد أنه نجح بجدارة، وإن سألت عنه داخل إيجاس ستجد أنه كان محبوبًا بشكل كبير. ثم جاء نقلة للعمل داخل ديوان عام الوزارة، متحدثًا رسميًا، ومديرًا للمكتب الفني، ورئيسًا لتحرير مجلة البترول، ومديرًا لمكتب وزير البترول، المهندس كريم بدوي. وهنا تكمن العقدة.
هناك حكمة دارجة تقول: “من يعمل كثيرًا يخطئ كثيرًا”، وهذه الحكمة نفتقدها كثيرًا، لذلك ترى أن كثيرين يتخوفون من المسؤولية، ويفضلون تجنّبها خوفًا من الوقوع في الخطأ. فالمناخ العام لا يتقبل، والنظام العام لا يغفر، وربما يؤدي خطأ بسيط إلى السقوط في غياهب الجُب والنسيان. لذا يفضّل البعض الاكتفاء بما هو محدود وآمن.
توسعت صلاحيات معتز عاطف، ومع كل توسع ظهرت الأخطاء. قد لا تُعد أخطاء وفقًا للمعايير العالمية أو لثقافة الشركات الكبرى، لكنها تُعد كذلك في سياقنا المحلي. هذا ما لم يدركه معتز، فالدولة العميقة، التي تسكن كل زاوية من زوايا المؤسسات، لا ترحب بالتغيير، بل إن الدولة العميقة تسكن عقولنا جميعاً . فطالما أنك فعلت شيئًا يخالف توقعاتهم، حتى وإن كنت على حق، فأنت خصمهم. لم يتحسب معتز لذلك، ويبدو أنه ولا يزال يسبح ضد التيار.
لكن ليس بالضرورة أن كل من يسبح ضد التيار يكون مخطئًا. قد يسعى للنجاة أو لتصحيح المسار، لكنه سيدفع الثمن، حتى لو غرق في النهاية. إلا أن نجاته المحفوفة بالمخاطر قد تعني التحدي، والنجاح الساحق، وتغيير قواعد اللعبة.
ومع ذلك، يؤخذ على معتز عاطف أنه لم يتدارك أخطاء الماضي، وكان بإمكانه أن يكون بطلاً، أو حتى فارسًا بلا جواد، لو أنه راقب النجوم، أو استنار بعون بعض حتى “الجن والعفاريت” الذين يعجّ بهم القطاع - وما أكثرهم! - لقالوا له: هنا خطأ، وهناك ثغرة، وعليك أن تبادر بالإصلاح. لكنه لم يفعل، بل عمّق الجراح، وضغط على دمامل ملتهبة كانت تنتظر من يُفرغها من قيحها المتراكم.
فماذا لو ساعد معتز عاطف على إلغاء المركزية؟ وماذا لو أعاد الصلاحيات للقيادات؟ وماذا لو سمح للجميع بالتعبير عن أنفسهم؟ هل كان سيضعف إن ترك المشهد لغيره وتراجع إلى الخلف؟ وهل كان سينتقص منه شيء إن استمع لأهل الخبرة والمشورة؟ الأسئلة كثيرة، لكن الإجابات غائبة.
أعلم أن المسؤولية صعبة، وأعلم أيضًا أن بريق السلطة إن لم يفتنك في هذا البلد فأنت لست طبيعيًا! نحن تربينا على ذلك، فالجميع يفتتن بالكراسي وينبهر بسطوتها، لكن اللوم أكبر عندما يأتي هذا السلوك من شخص نشأ في بيئة الشركات الأجنبية، وربيب بيت سياسي، حيث يخدم الناس أنفسهم، ويُنصَف الضعيف قبل القوي، ولا ظلم مطلق، ولا جبروت منظم. الأمر هناك مختلف تمامًا عن واقعنا، إذًا، ما الذي حدث؟ ولماذا خيّب معتز عاطف كل التوقعات؟
يا بشمهندس معتز، الثكالى في هذا القطاع كُثر، والمظاليم أكثر، وضحايا جبروت بعض القيادات لا يزالون يتلقون العلاج، ومن تعافى منهم يسير على عكازين، أو ينطق بصعوبة. حبيسو أدراج النفي والإقصاء لا يزالون خلف مكاتب مزيّنة بالورود، لكن تسكنها الآلام والأحزان. كل واحد منهم يحمل ألف مأساة.
كان على معتز عاطف أن يُدرك أن هناك عمالة مؤقتة ضاعت حقوقها، وأن منظومته الداخلية ليست سهلة، وقد تحاربه إن لم يتعامل معها بكياسة.
كل ما أريد قوله إن معتز عاطف لا تنقصه الأخلاق، ولا الذكاء، ولا المال، ولا الدعم، ولا يعاني من أمراض نفسية. لكنه اختار أن يستبدل الحكمة بالقوة، رغم أن سنّه الوظيفي والحياتي يستوجب تقديم الحكمة أولاً، وإن استدعت الحاجة إلى القوة، فلا مانع منها بعد ذلك ، وسيظل الود هو الدائم وقد تكون التجربة خير دليل على ما أقول، والسلام.
#سقراط