الأربعاء 31 ديسمبر 2025 الموافق 11 رجب 1447

معتز عاطف والمأزق الذي وضعنا فيه

1800
المستقبل اليوم

عندما تتضح الصورة وتظهر أبعادها، تنقلب إلى مرآة ساطعة يرى الناس فيها قدرهم، ووضعهم، وميزان أعمالهم. وهذه الحالة هي نوع من محاسبة النفس بالقياس، وهو موضوع فلسفي عميق ليس محل حديثنا. ومن خلال هذه القاعدة، كان وضع تولي معتز عاطف مسؤولية أكبر شركة بترول في مصر مأزقًا ثلاثي الأبعاد.

فالصورة التي كانت عليها الشركة باتت مرآة لكل قيادات القطاع من جهة، وللإعلام من جهة أخرى، إذ أعادت فتح سردية اختيار القيادات وأهميتها. جاء معتز عاطف على خلفية ما سُمي وقتها بـ«خريف الغضب» لقطاع البترول، ليتولى مناصب متعددة في الوزارة، في وقت كانت فيه الأجواء مشحونة ومضطربة، وكان النقد اللاذع من نصيبه، إذ انطلق عليه من كل اتجاه.

وربما كانت غمرة الأحداث وتدفقها قد أثرت بشكل واضح في إنتاج هذه الحالة، خاصة فيما يتعلق ببعض الأمور السياسية والإعلامية التي لم يعتدها من قبل. وبعد أن احتُويت هذه العاصفة، وأُعيد ترتيب الأوراق، انتقل إلى معقل عمله الصحيح، الذي تربى فيه، ونشأ داخله، ومنه بزغ نجمه.

لم يكن التعامل مع مشاكل هذا الكيان الكبير المسمى «خالدة» سهلًا أو مجرد وظيفة، بل كان تحديًا صعبًا ومن نوع جديد. وللأمانة، لم تكن التوقعات تعطي الأمور أكثر من حجمها، ولم تكن هناك مؤشرات متفائلة عن تغيير جوهري قد يأتي بعد هذا التحرك.

بدت الأيام محفوفة بالمخاطر في بداية المهمة، وانشغل الناس عنها، بينما كان هو في مهمة شبه انتحارية لتعديل المسار وتحديد الأولويات، غاص فيها بشكل غير متوقع. لم يكن في مخيلتنا وجود هذا الكم من المشاكل في هذه الشركة الكبيرة، ولم نتوقع أيضًا هذه القدرة على التعامل معها بحرفية وهدوء.

آلاف العمال بمئات المشاكل، اندماج مع شركة أخرى تعاني من ويلات التكلفة العالية، روافد فساد أو استهتار بالمال العام كانت تسري في الجسد متخفية في دورة شديدة التعقيد، عمالة مؤقتة لا تكف عن الأنين والشكوى، فقر في العمالة الفنية، وشريك متحفز يصعب التعامل معه بشكل تقليدي، لأنه يحافظ على استثمارات بملايين الدولارات، وهو حقه المشروع.

خليط عجيب ومتشابك من المشاكل والمفاهيم، الدخول فيه مختلف تمامًا عن الخروج منه. حقيقة لا نعرف كيف اكتملت الصورة بهذا الشكل وفي هذا التوقيت، ولا نعرف أي قدرة استطاعت أن تدفعه إلى مضمار هذا السباق الصعب بكل هذه التحديات.

ولا توجد مساحة هنا لعرض ما تم تفصيلًا، لكننا سنعرضه موثقًا في مساحة منفردة، يكون دليلًا وشاهدًا على مدى تأثير القيادة الصحيحة في المكان الصحيح. وثيقة تعيد إلى الأذهان أهمية الاختيار، وتفتح من جديد ملف القيادات الحالية وما يشوبه من قصور وتدهور.

لقد وضعنا هذا الرجل في مأزق عندما أثبت أن للقيادة دورًا فاعلًا ومؤثرًا، بعدما انهارت هذه النظرية في ظل ما نراه حاليًا من تصرفات. أما المأزق الأخطر، فهو أنه وضع منصب قيادة الشركات في مستوى المهام القومية التي لا تعرف سوى الإنجاز والعمل، لا التراخي وتمضية الوقت، ولا الرضوخ للأقوى داخل شركته.

وبات على الجميع أن يدرك أن كل شركة هي لبنة وحجر في بنيان اقتصاد هذا البلد، وأن أي تهاون فيها يُعد إخلالًا بمهمة وطنية.

وضع معتز عاطف نفسه في مصاف الكبار الذين ينتظرهم القطاع بشدة في الفترة القادمة، في شركات وطنية كبرى تحتاج بالفعل إلى هذا النوع من القيادات للنهوض بإنتاجها الاستراتيجي، في وقت لم تعد البلاد تحتمل المزيد من التجارب أو القيادات التي فات زمنها. وليس لنا من الأمر إلا أن نطالب بذلك، حقًا مستحقًا لبلادنا.

بهذا فقط تعلن القيادة عن نفسها، وتضع الحجة على الجميع، حتى الإعلام الذي انتقد ثم عاد ليشيد ويثمن، فهو يتحدث بلغة يفهمها الأصم، ونظام لا يخفى على الأعمى والأبكم، وهذا هو الفيصل وخلاصة القول.

الجميع في مأزق، ولا مناص إلا أن نستعيد ماضيًا نعرفه، ونتعلم منه كيف يكون رئيس الشركة، وكيف تكون القيادة، لإعادة هذا القطاع إلى الطريق الصحيح وعبور الأزمة.

#المستقبل_البترولي




تم نسخ الرابط