الأربعاء 31 ديسمبر 2025 الموافق 11 رجب 1447

وائل عطية يكتب: البترول والثروة المعدنية في مصر حصاد عام… ورهانات ٢٠٢٦

79
المستقبل اليوم

مع إسدال الستار على العام الجاري، ودخول الدولة عتبة عام ٢٠٢٦، يكتسب إعلان وزارة البترول والثروة المعدنية عن حصاد إنجازات القطاع دلالة تتجاوز كونه كشف حساب فنيًا تقليديًا، فهو في جوهره وثيقة سياسية-اقتصادية تعكس تحولًا ملموسًا في فلسفة إدارة أحد أكثر القطاعات حساسية وتأثيرًا في الاقتصاد الوطني، من إدارة أزمة ممتدة إلى إعادة بناء سياسة تستهدف استعادة الثقة، وبناء القدرات، ووضع أساس قابل للاستدامة.
التقرير، الذي يأتي في إطار تنفيذ محاور استراتيجية عمل الوزارة بقيادة ورؤية المهندس كريم بدوي وزير البترول والثروة المعدنية، يرصد مسارًا تصحيحيًا بدأ يؤتي ثماره بعد سنوات من الضغوط المركبة على الإنتاج وتآكل الفوائض وارتفاع فاتورة الاستيراد وإن كان هذا المسار لا يزال في بدايته.
الإنجاز الأهم خلال العام المنصرم لا يُقاس بالأرقام وحدها، بل بكسر اتجاه التراجع لأول مرة منذ أربع سنوات. فانتظام سداد مستحقات الشركاء الأجانب أعاد بناء الثقة مع الشركات العالمية وهو ما انعكس مباشرة على عودة عمليات الحفر وربط آبار جديدة بالإنتاج. إضافة أكثر من ١،٢ مليار قدم مكعب من الغاز يوميًا ونحو ٢٠٠ ألف برميل مكافئ من الزيت الخام والمتكثفات لا تمثل زيادة كمية فحسب، بل تحمل دلالة سياسية واقتصادية واضحة على قدرة مصر على استعادة مسار الاكتفاء النسبي متى توافرت بيئة استثمارية مستقرة. 
كما أن عودة حقل ظهر للإسهام بنحو ربع الإنتاج المحلي من الغاز تؤكد أن تعظيم الاستفادة من الأصول القائمة لا يقل أهمية عن الاكتشافات الجديدة.
وفي السياق ذاته، يعكس توقيع ٣٣ اتفاقية جديدة وطرح ٧٠ فرصة استثمارية مع توقع استثمارات تقارب ١٧ مليار دولار خلال خمس سنوات انتقالًا من سياسات قصيرة الأجل إلى رؤية استثمارية متوسطة المدى. كما أن تنويع جغرافيا الفرص بين البحر المتوسط والبحر الأحمر والصحراء الغربية يرفع من جاذبية القطاع ويزيد من فرص النجاح.
ويكشف التوسع في أعمال المسح السيزمي لا سيما مشروع غرب أسيوط والداخلة الذي يغطي نحو ١٠٠ ألف كيلومتر مربع بإشراف شركة جنوب، إلى جانب مشروع شرق المتوسط باستخدام تكنولوجيا OBNعن إدراك مؤسسي بأن جودة البيانات هي النقطة الأولى لجذب الاستثمارات في المناطق البكر عالية المخاطر.
ورغم تحسن إنتاج مصافي التكرير المحلي إلى نحو ٣٤ مليون طن، وتغطية أكثر من ٣٠ مليون طن من احتياجات السوق، تظل فجوة استهلاك السولار التحدي الأكبر. وهنا تتجلى الأهمية الاستراتيجية لمشروعي أنوبك بأسيوط، ومجمع التفحيم وإنتاج السولار بالسويس، بوصفهما نقطة تحول مرتقبة في خفض واردات السولار وتحسين الميزان البترولي. وفي السياق نفسه، يضع تطوير ميناء الحمراء بالتعاون مع موانئ الفجيرة مصر على خريطة تجارة الطاقة الإقليمية لا كمستهلك فقط، بل كمركز تداول وخدمات.
وللمرة الأولى منذ عقود يُدار ملف التعدين بعقلية اقتصادية واضحة. فتحويل هيئة الثروة المعدنية إلى هيئة اقتصادية وإطلاق المسح الجوي الشامل وتبني نظام الإتاوة والضرائب بدل المشاركة الإنتاجية، خطوات تنقل القطاع من الهامش إلى قلب معادلة النمو. كما أن دخول شركات عالمية مثل أنجلو جولد أشانتي وباريك جولد يعكس أن مصر بدأت تخاطب المستثمر الدولي بلغة مفهومة وقواعد مستقرة. ومع مشروعات تعظيم القيمة المضافة، وفي مقدمتها مجمع حمض الفوسفوريك بالوادي الجديد، قد يتحول الطموح إلى مساهمة حقيقية في الناتج القومي.
وفي ملف الطاقة والتحول الأخضر يتجنب الإعلان الخطاب المثالي ويتبنى مقاربة واقعية قائمة على الإحلال التدريجي المحسوب. فمشروع الأمونيا الخضراء مع شركة سكاتك واتفاق شراء الإنتاج مع يارا النرويجية، يقدمان نموذجًا ذكيًا لربط التحول البيئي بعقود مضمونة العائد. كما أن تنفيذ ١١٧ مشروعًا للطاقة المتجددة داخل مواقع قطاع البترول وخفض الانبعاثات بنحو ١،٤ مليون طن يؤكد أن كفاءة الاستهلاك لا تقل أثرًا عن زيادة الإنتاج.
وعلى الصعيد الإقليمي، جاء الإعلان عن تحويل الغاز القبرصي من فكرة إلى واقع عبر ربط حقلي كرونوس وأفروديت بالبنية التحتية المصرية ليعيد تثبيت موقع مصر كمركز إقليمي لتداول وتجارة الغاز مستندة إلى محطات الإسالة في ادكو ودمياط. وعودة تصدير شحنات الغاز المسال في عام ٢٠٢٥ رغم تحديات الاستهلاك المحلى، تمثل رسالة واضحة بقدرة الدولة على الموازنة بين أمن الطاقة وتعظيم العائد الاقتصادي.
إن الانتقال من مرحلة التعافي إلى تحقيق الاكتفاء والفائض يتطلب حزمة قرارات عملية وتشريعية جريئة، لا يتسع المقام هنا لاستعراضها، لكنها تظل ضرورية لاستعادة ثقة المستثمر المحلي والدولي، وتحويل الخطط الاستثمارية إلى نتائج فعلية، لا مجرد إضافات قدرات اسمية.
ما تحقق خلال هذا العام ليس هدفا نهائيًا، بل نقطة انطلاق. فإذا كان ٢٠٢٥ هو عام وقف التراجع واستعادة الثقة فإن ٢٠٢٦ يجب أن يكون عام زيادة الإنتاج وخفض الاستيراد وتحقيق فائض قابل للتصدير.
الرهان الحقيقي لم يعد في إعلان الأرقام، بل في تحويل هذا الزخم إلى نتائج مستدامة تعيد لقطاع البترول والثروة المعدنية دوره الطبيعي كقاطرة للاقتصاد الوطني.




تم نسخ الرابط