مجرد رأي: هروب العمالة الفنية المدربة وحادث الحفار الأخير
من جديد يُفتح ملف انهيار أجهزة الحفر بشكل مدوٍ، ولكن الحادث الأخير يوم أمس حدث الانهيار خلال عمليات تفكيك الجهاز من على رأس البئر تمهيدًا لتحريكه. بالتأكيد هي لحظات فارقة تتطلب دقة في العمل، وقوة تركيز، وخبرة، وتواصلًا جيدًا.
والحادث – بالشكل والتفاصيل المتاحة عنه – يبدو أنه نتج عن خطأ بشري واضح حدث أثناء إنزال البرج الخاص بالجهاز، وهو أحد أهم وأدق عناصر هذه العملية بالذات. وربما لو حدث الانهيار خلال عمل الجهاز بكامل قوته في عمليات الحفر والإكمال، لكانت أصابع الاتهام ستتجه على الفور إلى إجراءات السلامة والصيانة والتفتيش الهندسي على مثل هذه الأجهزة الكبيرة، وكانت الإصابات ستكون فادحة.
ومن اللافت أن هذا الجهاز تحديدًا قد حصل على تهنئة الشركة في سبتمبر الماضي بمناسبة تحقيقه 8 سنوات عمل بدون وقت ضائع أو حوادث، مما يؤكد اهتمام الشركة بالصيانة والتفتيش، ويشير إلى أن الخطأ البشري قد يكون من القائمين على هذه العملية الصعبة.
وربما لا يعلم الكثيرون أن عملية الإنزال أو تركيب مثل هذه الأجهزة الضخمة لها خبرات ومعدات خاصة بهذه الأعمال فقط (Move Crew)، وحتى عملية نقل الجهاز على عربات النقل من مكان لآخر لها طاقم العمل الخاص بها أيضًا. ومن هنا يتضح أن مثل هذه الأعمال دقيقة جدًا وتستلزم خبرات ذات طبيعة خاصة، ربما لا تكون موجودة إلا في الشركات الكبرى، حيث تعتبر تلك الكفاءات عملة نادرة تحافظ عليها الشركة بقوة.
وحدوث مثل هذا الخطأ البارحة خلال عملية الإنزال يشير إلى وجود خلل ما في الخبرة المسؤولة عن تلك الأعمال، ويكون سببها عادة هروب الخبرات الكبيرة إلى البلدان العربية حيث الدخل المادي المرتفع.
وإذا أثبتت التحقيقات أن القائمين على تلك العملية تحديدًا كانوا من أصحاب الخبرات الصغيرة من العمالة المؤقتة التي تحتشد بها شركاتنا وتستعين بها شركات الحفر بكثرة، فإن ملف هروب العمالة الفنية المتخصصة سيتم فتحه بقوة، ويظهر فيه تأثير العمالة المؤقتة ومدى الاعتماد عليها في مثل هذه الأعمال الخطيرة، وما يجب أن تحظى به من تدريب عالٍ قبل تكليفها بمثل هذه المسؤولية الثقيلة، حتى لا نفاجأ بهذه الحوادث الكارثية.
شكل الحادث وتفاصيله وتوقيت حدوثه هو – بالقطع – عنوان الحقيقة التي نحاول أحيانًا التغاضي عنها، وإذا ثبت هذا التصور في التحقيقات الجارية، فلا يمكن توجيه اللوم إلى الشركة المالكة للجهاز، فهذا هو المتاح لها من خبرات ترضى بالدخل الساري في شركاتنا، ويكون هذا الحادث هو أول إرهاصات ونتائج هروب الخبرات الفنية من شركات البترول والخدمات الكبرى.
بل وعلينا أن نتوقع الأسوأ ما لم نجد حلًا سريعًا لتلك المشكلة الكبيرة.والسلام،،
#سقراط