كيف تنجو من فخ الانفاق العفوي — د نيفين حسني

عادات ما بعد الجائحة… كيف قادتنا إلى فخ الإنفاق العفوي؟
لم تكن جائحة كورونا مجرد أزمة صحية عابرة، بل كانت تجربة غيّرت سلوكياتنا اليومية بعمق، خاصة في ما يتعلق بالشراء والاستهلاك. فقد اعتاد كثيرون خلال فترة العزل المنزلي على الراحة التي توفرها الطلبات الإلكترونية والتسوق عبر الإنترنت، لتتحول تلك العادة بمرور الوقت إلى سلوك دائم — بل إلى نمط إنفاق عفوي يصعب السيطرة عليه.
خلال السنوات الأخيرة، لاحظت من خلال عملي في مجال علم النفس الرقمي أن استخدام البطاقات الائتمانية بات وسيلة سهلة للإشباع الفوري للرغبات الشرائية، دون التفكير المسبق في الالتزامات المالية المستقبلية. ومع نهاية كل شهر، تأتي الصدمة الكبرى في شكل كشف حساب يحمل مفاجآت غير متوقعة، وديون متراكمة.
هذا السلوك لا يرتبط فقط بعدم الوعي المالي، بل يرتبط في الأساس بآلية الإشباع اللحظي التي تغذيها التطبيقات والمتاجر الإلكترونية بخوارزمياتها الذكية. فكل إشعار بالخصم أو عرض «لفترة محدودة» يُحفّز مناطق المكافأة في الدماغ، فيدفعنا لاتخاذ قرار الشراء دون تخطيط.
من هنا تأتي أهمية الوعي المالي الرقمي كأحد عناصر الصحة النفسية الحديثة. فإدارة المال ليست مجرد عملية محاسبية، بل مهارة ذهنية وعاطفية في آنٍ واحد. ومن الوسائل الفعّالة لتحقيق هذا التوازن، الاعتماد على تطبيقات تتبع المصروفات التي تسجل كل عملية شراء، وتوضح الرصيد المتاح، وتضع حدودًا يومية أو شهرية للإنفاق. هذه الأدوات تساعد المستخدم على التخطيط المسبق وتحديد أولويات الصرف والادخار.
كما أحذر من الشراء بالتقسيط دون دراسة دقيقة للقدرة المالية؛ فالكثيرون يقعون في فخ الترفيه المؤقت أو الرحلات الباهظة، ليجدوا أنفسهم لاحقًا أمام التزامات شهرية تثقل كاهلهم وتؤثر على استقرارهم المالي والنفسي معًا.
لقد آن الأوان أن نراجع عاداتنا المالية، وأن نعيد التفكير في مفهوم “الراحة الرقمية”. فالتسوق بضغطة زر قد يبدو مريحًا، لكنه في كثير من الأحيان يحمل في طيّاته تكلفة نفسية ومالية باهظة.
بقلم: د. نيفين حسني
استشاري علم النفس الرقمي-عضو الهيئة الاستشارية العليا لتكنولوجيا المعلومات