الإثنين 06 أكتوبر 2025 الموافق 14 ربيع الثاني 1447

أحمد البري يكتب: التعويم على طريقة الكابتن إبراهيم..الأشواك تنبت قبل الزهور...أحياناً

212
المستقبل اليوم

الجزء الثالث (الأخير)
أ- الوعي :-
مثلما يتنافس على بطولة دوري كرة القدم المصرية فريقين أساسيين هما النادي الأهلي ونادي الزمالك، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية تنافس على مجلس إدارة العالم قوتين عظمتين هما نادي الإتحاد السوفيتي-الاشتراكي، ونادي الولايات المتحدة الأمريكية -الرأسمالي، وأخذ هذا التنافس شكلاً أكثر حدة وعرف باسم "الحرب الباردة"، كل فريق من تلك الدولتين يتبنى نمط اقتصادي مناقض للنمط الآخر وكل فريق يسعى لجذب مزيداً من المشجعين التابعين له 
الإتحاد السوفيتي يتبنى نمط الاقتصاد الاشتراكي، وللتوضيح ماذا نعني بمصطلح "اقتصاد"، فإن "علم" الاقتصاد هو علم يختص بكيفية إدارة الدول لمواردها المالية، بمعنى، كيفية حصول الدولة على المال وكيفية الإنفاق والتوزيع لهذا المال أو الموارد بشكل عام وذلك بغرض تحسين حياة الفرد بشكل خاص وبالتبعية تحسن حالة المجتمع وتقوية الوضع الاقتصادي والسياسي للدولة، مع العلم أن الاقتصاد والسياسة هم رفاق دائمين لا يفترقان.

بدون الدخول في الاختلافات الأساسية بين النظامين (الاشتراكي والرأسمالي) والذي قد تتضح بعض معالم الاختلاف عندما يأتي الحديث عن الحالة المصرية، إلا أن سكان هذا الكوكب قد استيقظوا في أحد أيام شهر ديسمبر من العام 1991 على خبر انهيار الاتحاد السوفيتي وتفتت هذا الاتحاد إلى 15 دولة مستقلة، وهذا يعني بلغة كرة القدم أن سوء خطة وأداء فريق نادي الاتحاد السوفيتي قد أدى به إلى الهزيمة والخروج نهائياً من دوري المحترفين "الممتاز أ"
أضف إلى ما سبق أن جمهورية الصين الشعبية والتي يحكمها الحزب الشيوعي الصيني، في ظل نظام الحزب الواحد ، قد تبنت هي الأخرى عملية من الإصلاحات الاقتصادية في أواخر السبعينات من القرن الماضي ، نتج عن هذه الاصلاحات التحول إلى نظام اقتصاد السوق الحر و تبني أدوات الرأسمالية بغرض تحقيق النمو الاقتصادي و هو ما سموه ب "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية" و بلغة الاقتصاد "رأسمالية الدولة" و كان هذا التحول "الواضح و الصريح" في مطلع التسعينات قد نتج عنه أن أصبحت الصين أكبر دولة مصدرة في العالم و ثاني أقوى اقتصاد من حيث معدل الناتج المحلي الإجمالي .

خلاصة ومحصلة ما سبق أن نموذج اقتصاد السوق الحر/الرأسمالي سواء كنت مؤيد أو معارض له قد أثبت "حتى يومنا هذا" أنه النموذج الأكثر نجاحاً وفاعلية في بناء اقتصاديات الدول مقارنة بنظام الاقتصاد الاشتراكي 
 
ب- الحالة المصرية:- 
"على رأس بستان الاشتراكية واقفين بنهندز ع المية، أمة أبطال، علم وعمال، ومعانا جمال بنغني غنوة فرايحية" ..المقطع السابق من أغنية "بستان الاشتراكية" والتي غناها عبد الحليم حافظ وكتبها صلاح جاهين ولحنها محمد الموجي لإلقاء الضوء على "بعض" من معالم الحالة المصرية، علينا العودة بالزمن إلى الفترة من 1954إلى 1970و مثلما ذكرت الأغنية السابقة كانت مصر تعيش في "بستان الاشتراكية" بمعنى أن الدولة المصرية تحت قيادة جمال عبد الناصر كانت تطبق منظومة الاقتصاد الاشتراكي في مجال الحصول على الموارد و إدارتها و طريقة توزيع تلك الموارد على المواطنين، و هنا نحتاج إلى توضيح مختصر لكل من الاشتراكية و الرأسمالية بغرض القدرة على التفرقة بين النموذجين، مع العلم أن هذا التوضيح يتضمن المبادئ الأساسية فقط دون الدخول في النقد أو التأييد أو حتى المناهج الحديثة لكلا المذهبين، مثلما ذكرت من قبل أن علم الاقتصاد هو العلم الذي يهتم بكيفية إدارة الدولة لمواردها المالية وكيفية توزيع تلك الموارد، ولكي تستطيع الدولة القيام بالوظائف السابقة فهي في حاجة إلى خارطة طريق أو منهج محدد تستطيع من خلاله أداء الدور الاقتصادي المنوطة به 
، الدولة في ظل الاشتراكية هي الصانع والتاجر والعامل والزارع والمصدر والمستورد، وبمعنى أوضح، الدولة هي التي تمتلك جميع وسائل ومصادر الإنتاج الموجودة داخل حدودها، ولا وجود لمصطلح ملكية الفرد أو الملكية الخاصة لأي نشاط اقتصادي من شأنه تحقيق الثروة لمالك أو ملاك هذا النشاط وبالتالي لا يوجد ما يعرف باسم القطاع الخاص إنما قطاع عام حكومي فقط .

والدولة في النظام الاشتراكي هي التي تحدد ما يتم تصديره و مايتم استيراده من سلع و خدمات "التجارة الدولية"، و بعد أن تقوم الدولة بجميع الوظائف التي تم ذكر "القليل منها"، يتم جنى العوائد المالية و إعادة توزيعها على جميع أوجه الانفاق المختلفة "تعليم، صحة، مرافق، طرق، رواتب الموظفين، المجهود الحربي، دعم السلع المعيشية... إلخ"، و الاقتصاد الاشتراكي يهدف إلى تحقيق ما يعرف ب "العدالة الاجتماعية" و القضاء على الفوارق الطبقية بين المواطنين.

أما الاقتصاد الرأسمالي أو "اقتصاد السوق الحر" له وجهة نظر وأدوات وأهداف مختلفة، الدولة في ظل هذا النظام يجب ألا تتدخل في ملكية وإدارة الأنشطة الاقتصادية و الذي ينبغي عليه القيام بهذا الدور هو القطاع الخاص في ظل قوانين المنافسة و الأداء الفعال للمنظمات الربحية " السوق الحر"، كما أن هذا السوق هو جزء من سوق عالمي أكثر أتساعاً و يجب على الدولة السماح بحرية تبادل السلع و الخدمات مع الدول الأخرى "حرية التجارة الدولية" ، وفقاً للفكر الاقتصادي الرأسمالي فإن تطبيق سياسات و أدوات "اقتصاد السوق الحر" سوف يؤدي بالدولة إلى تقليل العديد من النفقات، وجني المزيد من العوائد عن طريق "تعظيم الربحية" و التي هي هدف رئيسي لاستمرارية ونمو رؤوس أموال السوق ، وكل ما سبق ذكره يهدف في النهاية إلى تحقيق ما يعرف بدولة الرفاه بمعنى تعزيز الرفاهة الاقتصادية و الاجتماعية للمواطنين بناء على مبدأ تكافؤ الفرص و التوزيع العادل للثروة و تحسين مستوى جودة الحياة للمجتمع بشكل عام، و تلخيص الحالة المصرية "الأن" أن الحكومة المصرية قررت تحويل المسار كلية تجاه اقتصاد السوق الحر و هذا التحول و اختبار الأداء هو موضوع النقطة الأخيرة من هذا المقال .

ج-الكابتن إبراهيم وصندوق النقد الدولي (الخاتمة)

كل ما أريد قوله في خاتمة هذه المقالات قد ذكرته بطريقة أو بأخرى بين سطور المقالات السابقة - الأول والثاني :
الجنية المصري حاله يشبه حال المتدربين الجدد في رياضة السباحة، ألقى في الماء وليس لديه أي اختيار سوف المعافرة و المعاناة من أجل أن يطفوا -أولاً- ثم يسبح –ثانياً -ثم ينافس -ثالثاً- و هذا ما أتمناه، أما اقتصاد السوق الحر و روشتة الإصلاح الاقتصادي المقدمة من صندوق النقد الدولي فهي صورة تجسدت في شخصية الحكومة ،كلاهما "أي الصندوق والحكومة" لا يعرفا الحلول الوسط و يؤمنون أن السباحة/الاقتصاد هو علم له قواعد صارمة ،إن تم تطبيق تلك القواعد و التعليمات بشكل سليم فقد تصير سباحاً يوما ما ، أما أن قررت أن تدير منظومتك الاقتصادية و الإدارية على هواك و دون اتباع التعليمات فقد يكون مصيرك مثل مصير أيمن المذكور سابقاً ، الذي قفز في الماء بجسد متصلب فكان مصيره الاقتراب من الموت بكل ألامه، كما أنهما (الصندوق و الحكومة) لا يهتمون بأراء الناس عنهم أو نقد الأخرين لهم ، فنحن نستنكر و نتذمر من الإجراءات الاقتصادية التي نمر بها لكن الصندوق و عقيدته الرأسمالية لا تأبه أثناء فترة التحولات الاقتصادية "اختبارات الأداء" لمثل هذه المعاناة و الشكوى، يفوز دائما من هم على شاكلة "أكرم" هؤلاء الذين يصبرون و يثابرون و يعملون على تطوير أنفسهم و زيادة مصادر دخولهم .

و يمكنك عزيزي القارئ الاطلاع لمدة 10 دقائق فقط على تجربة النمور الأسيوية و تحديدا تجربة الصين و كوريا الجنوبية و سوف تتعجب من تجربة الصين على سبيل المثال ، تلك الدولة التي أرتبط ماضيها بالطاعون و المجاعات و الحروب الأهلية و أسواء أشكال الاحتلال الأجنبي ، و لكن عندما امتلكت الإرادة
و توفر لها حُسْنُ الإدارة و الأخذ بأسباب التقدم ،صارت من الدول العظمى ، مثلما صار أكرم في قصتنا السابقة من كبار موظفي الشركات متعددة الجنسيات .

الانتقال من بيئة المجتمعات ذات الاقتصاد المختلط (اشتراكية/رأسمالية) إلى نمط اقتصادي يميل إلى أدوات السوق الحر هو أمر ليس بالهين، أنه أشبه بمن ينتقل من السير على اليابسة إلى العوم في الماء، بيئة الماء تحتاج حركة مستمرة ومهارة في تنظيم الأنفاس وتقوية مستمرة للعضلات، هكذا هو اقتصاد السوق الحر، والنظام العالمي أصبح محكوماً بهذا الاقتصاد والدولة المصرية قررت منذ العام 1974 التوجه ناحية هذا النمط الاقتصادي، و لكن الخطوات كانت مترددة و غير مكتملة و ساهم في ذلك العوامل الاستثنائية التي كانت مصر تمر بها في ذلك الوقت، و منذ العام 2016 قررت الدولة في مصر المضي قدماً في هذا الطريق ، منحيةً أنصاف الحلول أو المسكنات المؤقتة ، واضعةً نصب عينيها بناء دولة قوية و اقتصاد سليم البنية ،  و علينا نحن أن نكون على وعي بهذا الواقع الجديد و  أَنْ نُعِدَّ لَهُ العُدَّةَ ، نُعِدَّ أنفسنا و نُعِدَّ أبنائنا لذلك الحاضر و المستقبل المشرق الذي لم نعهد مثله من قبل. والسلام




تم نسخ الرابط