الثلاثاء 19 أغسطس 2025 الموافق 25 صفر 1447

شخصيات: علاء حجازي…ذكرى رجلً عظيم قد رحل

278
المستقبل اليوم

في ذاكرة نوفمبر تتجمع الحكايات…ففيه وُلد، وفيه ودّع ساحة العمل، وفيه أيضاً غاب عن الدنيا، وكأن الشهر الحادي عشر من العام هو الصفحة التي كتبت سيرة هذا الرجل كاملة، من أول السطر حتى النقطة الأخيرة.

اقتربت ذكراه ، لكن محبيه أرادوا ذكره والكتابة عنه ، فكان لهم ما ارادوا ، ولم نتمهل معهم حتى تأتي ذكرى وفاته ، والتي تحل في الخامس عشر من نوفمبر، وهي ذكرى رحيل رجل لم يكن مجرد اسم في قطاع البترول، بل كان حضوراً طاغياً وقيادة صادقة وروحاً تفيض بالنبل والإنسانية.

كان علاء حجازي مختلفاً؛ قوياً وصلباً كالفولاذ حين يتعلق الأمر بالحق والواجب، ورقيقاً عطوفاً حين يلامس قلوب الناس، عرفه زملاؤه قائداً يُلهم بالقدوة لا بالكلام، وصديقاً يسمع أنين الآخرين قبل أن ينطقوه، ومنحه هذا التوازن بين الحزم والرحمة مكانة لا ينافسه فيها أحد.

وعندما أنهى رحلته العملية في نوفمبر 2019، لم يغادر إنبي تاركاً خلفه كرسيّاً شاغراً، بل غادرها وقد جعل منها كياناً أقوى، شركة تستعيد ريادتها وعزتها، وتبرم عقوداً بمليارات الدولارات داخل مصر وخارجها…لقد كان بحق مهندس النهضة الجديدة في إنبي، وصاحب البصمة الواضحة التي ما زالت شاهدة حتى اليوم.

أما “ظهر”، مشروع الغاز العملاق، فكان هو الامتحان الأصعب الذي وضع اسمه في سجلات الخالدين. لم تثنه صحته المتعبة عن التواجد بين المهندسين والعمال، يتابع ويشارك ويقود لحظة بلحظة، حتى خرج المشروع للنور في وقته المحدد، ليغيّر وجه الطاقة في مصر…كان وجوده في الموقع رسالة بليغة أن القيادة ليست مكتباً، بل مشاركة وتضحية وحضور دائم في قلب الميدان.

محطات حياته المهنية كانت كالأحجار الكريمة المرصوصة في عقد واحد: متفوقاً في كلية الهندسة، باحثاً في ميونخ، متدرجاً في إنبي حتى نائب رئيسها، ثم رئيساً لجاس كول حيث فتح لها أبواب الطاقة الجديدة، فنائباً لرئيس الهيئة للتخطيط والمشروعات، وأخيراً رئيساً لمجلس إدارة إنبي في 2018، وفي كل موقع كان يترك أثراً لا يُمحى، وخطوة تمهد لما بعدها، حتى ما أنجزه في العمل الخدمي، فلا يزال سكان قرية بتروبيتش يذكرونه بالخير ، فقد أصلح حالها واعلى من شأنها وجعل مائها حلواً ومهد بحرها وأرضها ، وتركها ، وكأنه كان يريد أن يقول: سأصلح لكم أحوالكم ثم أرحل .

فعل علاء حجازي كل ما فعل ، وقدم كل ما قدم ، ومع ذلك، لم يكن شخصاً عاشقاً للظهور أو طالباً للضوء، بل ظل صوته خافتاً وإسهاماته صاخبة، يفضل الإنجاز على التصريح، والفعل على القول، لذلك بقي في القلوب أكثر مما بقي في العناوين.

وربما كان امتحانه الأخير أقسى ما واجهه قلبه، فقد ابنه قبل أن يرحل بأسابيع قليلة، فانكسر في صمت، وحمل أوجاعه وحده، ثم أسلم الروح سريعاً كأنه لحق بولده إلى الدار الباقية.

رحل علاء حجازي، لكن سيرته باقية، وأثره شاهد، وذكراه ستظل نبراساً لكل من عرفه أو عمل معه. رحم الله رجلاً عاش كبيراً ورحل كبيراً، وترك لنا درساً في أن القيادة الحقيقية هي مزيج من قوة الحق وصدق الإنسانية.




تم نسخ الرابط