الإثنين 18 أغسطس 2025 الموافق 24 صفر 1447

نون النسوة: أمل طنطاوي..عام من الصمت وحمل الأعباء

583
أمل طنطاوي
أمل طنطاوي

كاد أن يمضي عام، وكأن الأيام مرت في صمت يشبه خطواتها الهادئة وهي تعبر بوابة الهيئة العامة للبترول لأول مرة. يومها كانت الأعين ترقبها بشيء من القلق والحذر، وكأنها امرأة جاءت لتجلس في مقعد لا يشبه إلا الرجال. لكن أمل طنطاوي أثبتت أن القيادة ليست صخبًا ولا شعارات، بل قدرة على حمل الأعباء الثقيلة بطمأنينة أم، وبحزم قائدة تعرف أن خلف كل قرار ملايين البشر تنتظر استمرار الضوء في بيوتها وعجلة الإنتاج في مصانعها.

لم يكن المقعد الذي جلست عليه عاديًا، بل هو العصب المالي للقطاع، حيث تتقاطع مليارات الجنيهات والدولارات، وتُحسم مصائر الاستثمارات، ويُضمن تدفق الوقود إلى المصانع ومحطات الكهرباء..مقعد إذا ارتبك صاحبه، اهتز معه جسد ضخم يضم الإنتاج والتكرير والاستيراد والتوزيع.

في قلب هذا المشهد، كان الملف الأخطر: مستحقات الشركاء الأجانب…سنوات من التراكمات جعلت الثقة على المحك، لكن أمل طنطاوي لم ترفع الصوت، ولم تدخل معركة استعراض، جلست بهدوء، رتبت أوراقها، وذهبت إلى البنوك لتصوغ معادلة جديدة للسداد…لم تَعِد بوعود براقة، لكنها أخرجت من قلب العجز طمأنينة أعادت الثقة للمستثمرين، وأبقت الحقول تنبض بالحياة وتنزف زيتاً وتدمع غازاً .

وعلى جبهة الداخل، حملت همّ العاملين على كتفيها. لم تسمح أن يتأخر صرف الأرباح رغم الضغوط القاسية، ولم تترك الشركات في مواجهة أزماتها وحيدة. كأم تعرف احتياجات أبنائها، وجدت دائمًا حلولًا عاجلة، وفتحت أبوابًا مبتكرة لتأمين الوقود وتشغيل السوق دون أن يشعر المواطن بالارتباك.

أما سباقها الأصعب فكان مع الزمن نفسه، حين تعلق الأمر باستيراد الشحنات البترولية لمحطات الكهرباء والمصانع. مفاوضات شاقة مع الموردين والبنوك، وإعادة ترتيب أولويات السداد في لحظات فارقة…كانت تعرف أن أي تأخير يعني عتمة في بيوت المصريين أو توقفًا لعجلة الإنتاج. لكن بعقل بارد وقلب لا يعرف الاستسلام، نجحت في أن تمر العاصفة دون أن تنطفئ شمعة واحدة.

حتى معركة المديونيات المتراكمة مع قطاع الكهرباء ، دخلتها أمل طنطاوي بهدوئها المعتاد. فاوضت وقدمت بدائل ونجحت في تخفيف الأعباء المالية عن الهيئة، محافظةً في الوقت نفسه على التزاماتها مع البنوك والتصنيف الائتماني الذي يضمن لها قدرة الاستمرار.

اللافت أن كل ذلك جرى في صمتٍ. لا خطابات رنانة، ولا ظهور متكرر . إنما حضورها الحقيقي كان في الأرقام التي تغيرت، وفي السيولة التي وُجدت كالماء في صحراء جافة، وفي استقرار سوق ظل واقفًا على قدميه رغم العواصف.

أقل من عام واحد فقط، لكنه كان كافيًا ليكتب أن أمل طنطاوي صارت صوتًا هادئًا يعلو فوق صخب الأزمات. امرأة في قلب قطاع اعتاد الرجال أن يتصدروا قيادته، لكنها لم تبحث عن معركة إثبات ذات، بل اكتفت بأن تثبت بالعمل أن القيادة رؤية وصبر وصدق.

واليوم، بينما تضيء الكهرباء بيوت المصريين، وتدور المصانع بلا توقف، يظل اسم أمل طنطاوي شاهدًا على أن القيادة الصامتة قد تكون أحيانًا أصدق من ألف تصريح، وأن النساء قادرات على أن يحملن أثقل الأعباء، ليس فقط في البيت، بل في جسد اقتصاد الوطن بأكمله.

بقلم- دينا الأفندي :




تم نسخ الرابط