مروه عطيه تكتب... عندما تصبح أعينَّا مرايا لغيرنا

المقارنة: فخُّ العصر الحديث
في البدء، كنا نعيش حياتنا بعيوننا فقط... نرى، نحب، نحلم، ونسعى على قدر طاقتنا.ثم جاءت الشاشات، وصرنا نعيش أعين غيرنا، نُقلب يوميًّا في حيوات الآخرين كأنها كُتيب تعليمات: هكذا يجب أن تكون الحياة، هكذا يجب أن يكون النجاح، هكذا يكون الجمال، وهكذا – للأسف – تُقاس القيمة.
في زمنٍ تُعرض فيه الحياة كعرضٍ سينمائيٍّ متواصل على الشاشات الصغيرة، أصبح من السهل أن نقع في فخ المقارنة.
نفتح هواتفنا صباحًا، فنرى من سافر، ومن اشترى، ومن أحب، ومن تزوج، ومن نجح، ومن ابتسم... فنتنهَّد في صمت، ونقيس حياتنا بما نراه من حياة الآخرين، متناسين أن ما نراه ليس الحقيقة الكاملة، بل مشهدًا مُنتقى بعناية.
إن المقارنة ليست ظاهرة جديدة، لكنها في عصرنا صارت مرضًا مزمنًا، ينهش من ثقتنا بأنفسنا، ويُضعف تقديرنا لما نملك.نقارن شكلنا، عملنا، علاقاتنا، وحتى ضحكاتنا... نُراقب الآخرين عن بُعد، فنظنهم أسعد، وأنجح، وأجمل، وننسى أنهم يراقبوننا بنفس الظن.
المشكلة ليست في أن نحلم بالأفضل، بل في أن نربط قيمتنا كأشخاص بما لدى غيرنا.
المقارنة تسرق الامتنان، والامتنان وحده هو ما يُنبت الرضا، والرضا هو ما يُنبت السعادة.
فكيف نسعد ونحن نحيا في ظل غيرنا؟ كيف نحب أنفسنا ونحن نقيسها بمقاييس لا تخصنا؟
الناس لا تُشبه بعضها، لا في الظروف ولا في الخطوات ولا في التوقيت.
قد تتفتح زهرة في الربيع، وأخرى في الخريف، وكلتاهما جميلة في وقتها.
فلماذا نُجبر أنفسنا على التفتح في وقت لا يناسبنا، فقط لأن غيرنا فعل؟
افتح عينيك على ما تملك، واغمضها عن المقارنات الزائفة.
اعرف ذاتك، وامنحها حقّها في التفرُّد.
ثق أن لكل روح توقيتًا مختلفًا للنضج، وللحياة حكمة في كل تأخير أو منع.
ولعل أكثر ما نحتاجه في هذا الزمن، أن نعيش لأنفسنا قليلًا، ونُحبها كما هي، لا كما يتوقع الآخرون.
فالراحة لا تأتي من التشبّه، بل من الصدق مع النفس.
ولعلّك حين تتوقف عن المقارنة... تبدأ أخيرًا في الحياة.