الثلاثاء 15 يوليو 2025 الموافق 20 محرم 1447

ويبكو وميناء الحمراء ..هل يفعلها إبراهيم مسعود ؟

319
المستقبل اليوم

لم يعد بمقدور قطاع البترول مواصلة مسيرته دون إجراء تحولات جذرية وهيكلية في آليات التشغيل والاستفادة من الإمكانيات المتاحة. فقد أمضى القطاع سنوات طويلة معوّلًا على العائد الريعي الناتج عن إنتاج الخام والغاز كمصدر أساسي ووحيد للدخل، إلا أن هذا التصور بدأ يتراجع، بعدما شهدت مستويات الإنتاج انخفاضًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، في مقابل تضاعف تكاليف الاستيراد بشكل متسارع.

وبات من الضروري أن يتوجه القطاع إلى تنويع موارده، لضمان بقائه كوزارة مستقلة، بعد أن أصبح على مشارف الاندماج مع وزارات أخرى،في هذا السياق، ظهرت مصانع القيمة المضافة في البتروكيماويات كأحد أهم روافد الإيرادات، رغم أنها لا تزال في بداية الطريق لتحقيق عوائد مجزية. كما أصبح من المهم تغيير النظرة التقليدية لقطاع الخدمات اللوجستية ليُعاد تشكيله كمصدر رئيسي لتعزيز الاقتصاد البترولي.

ويأتي ميناء الحمراء كأول ميناء بترولي على ساحل البحر المتوسط، عاصر تاريخًا طويلًا من نشاط شركات الصحراء الغربية، وشهد خلال السنوات الماضية تطورات هائلة في بنيته التحتية، لا سيما في الأرصفة المخصصة لاستقبال الناقلات العملاقة، وأنظمة الملاحة، والربط، إلى جانب رفع قدرته التخزينية لتقترب من 5 ملايين برميل — وهو رقم ضخم ومؤثر. وقد تزامن ذلك مع تحديث شامل لأجهزة التحليل والقياس، وتعزيز قدرات الأمن والسلامة في هذا المشروع الممتد.

نجحت قيادات الميناء من أبناء شركة ويبكو العريقة في صياغة رؤية استراتيجية لعمليات التطوير والتحديث، وهي الرؤية التي حظيت بدعم ومتابعة مستمرة من المهندس طارق الملا، وزير البترول السابق، على مدار سنوات توليه الحقيبة الوزارية.

اليوم، أصبح ميناء الحمراء بمثابة عقدة لوجستية حيوية تتقاطع فيها شرايين الإنتاج والتصدير والاستيراد. وقد ضُخّت استثمارات ضخمة في هذا الصرح العملاق، مما جعله في مصاف الموانئ الدولية الكبرى على خريطة الطاقة في منطقة شرق المتوسط. كما جذب اهتمام الاستثمارات الخليجية التي باتت ترى فيه قاعدة محورية تقدم خدمات لوجستية عالمية في موقع استراتيجي فريد.

ويُنتظر أن يشهد الميناء تحولًا نوعيًا إضافيًا مع بدء تشغيل القطار السريع خلال الأشهر المقبلة، ليربط منطقة العين السخنة على البحر الأحمر بساحل البحر المتوسط. وهو المشروع الذي يُعد أول خطوة في مسار تجارة دولية واعدة تربط الهند والصين بأسواق أوروبا، حيث يشكّل ميناء الحمراء نقطة اهتمام رئيسية نظرًا لما يمتلكه من إمكانات ضخمة تؤهله للعب دور محوري في هذه الشبكة الجديدة.

وتخطط شركة ميدور لمشروع تكاملي كبير مع الميناء، يهدف إلى استقبال وتخزين المنتجات البترولية، ما يعزز من أهمية الحمراء كمركز إقليمي متكامل للطاقة.

هناك مستقبلًا واعدًا ينتظر هذا الميناء، وتغييرات جوهرية في المشهد الاقتصادي للصحراء الغربية باتت وشيكة. ولن يكون أمام القطاع من سبيل لمواجهة التحديات العميقة سوى التفاعل السريع مع معطيات الحاضر وتوجهات المستقبل، والاستغلال الأمثل لكل الإمكانيات الاقتصادية المتاحة على كافة المستويات.

تُبذل في الميناء جهودٌ مضنية من قياداته وعامليه، بعيدًا عن الأضواء والتصريحات الإعلامية، إدراكًا منهم لقيمة هذا المرفق البالغ الأهمية ماليًا واستراتيجيًا. ومن الضروري أن تحذو بقية الشركات، خصوصًا التجارية والاستثمارية، حذو هذه السياسات، وأن تُعيد تقييم خططها لتتحول إلى كيانات اقتصادية تمتلك موارد ومدخلات قادرة على تحقيق استدامة لأنشطتها. فبدون ذلك، لن تستطيع سفينة القطاع أن تبحر، ولن تقدر على مواجهة أعبائها المتزايدة.

وأخيرًا، نأمل من المهندس ابراهيم مسعود رئيس شركة ويبكو ، المالكة للميناء وقيادات الميناء دراسة إنشاء شركة تابعة تختص بالنقل البحري والبري، وتموين السفن، وتأسيس بورصة للمنتجات البترولية، أو حتى منطقة حرة تجارية وصناعية بترولية داخل أراضي الميناء الشاسعة — فمثل هذه المشاريع من شأنها إحداث نقلة نوعية في منطقة الصحراء الغربية بأكملها.

خالص التحية والتقدير لكل قيادات وعاملي ميناء الحمراء وشركة ويبكو.


المستقبل البترولي




تم نسخ الرابط