الأحد 13 يوليو 2025 الموافق 18 محرم 1447

د جمال القليوبي يكتب: توقعات “أوبك” بعد عودة الرسوم الجمركية… وهل هناك حسابات خفية؟

110
المستقبل اليوم

يبدو أن فترة السماحية التي امتدت لثلاثة أشهر، والتي علّق خلالها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تطبيق الرسوم الجمركية حتى 9 يوليو، قد انتهت. ومع ذلك، قرر البيت الأبيض تأجيل التنفيذ مرة أخرى إلى الأول من أغسطس، بعد تصريحات مفاجئة بشأن رفع سقف الرسوم الجمركية بنسب غير متوقعة على دول تُعد أكثر ولاءً وتبعية للولايات المتحدة.

فقد ارتفعت الرسوم الجمركية على الصادرات القادمة من البرازيل إلى 50%، ومن كندا إلى 35%. والجديد في الأمر هو إخطار 20 دولة أخرى، من بينها كوريا الجنوبية واليابان والفلبين والعراق وتايلاند وغيرها من الدول الآسيوية، بفرض ضرائب جمركية تتراوح بين 25% و40%. حتى الاتحاد الأوروبي لم يُستثنَ، حيث تم تهديده برفع رسومه إلى 45%.

منذ اللحظة الأولى لتطبيق البيت الأبيض هذه الرسوم في 9 أبريل من العام الحالي، دخل الاقتصاد العالمي في حالة من الجمود، انعكست بشكل مباشر على أسواق النفط العالمية، حيث توقفت التعاقدات طويلة الأجل، وشُلت حركة السوق الفوري للبترول والغاز الطبيعي المسال. وهوت الأسعار خلال 48 ساعة فقط من 72 دولارًا للبرميل إلى 53 دولارًا، واستقرت طوال شهر أبريل بين 57 و61 دولارًا، إلى أن صعدت مجددًا إلى 67 دولارًا بعد قرار تعليق تطبيق الرسوم حتى يوليو.

في تلك الفترة، حدث خلل كبير في الاتفاقات بين دول “أوبك” و”أوبك بلس”، بل إن بعض الدول من خارج التكتل لجأت إلى البيع السريع، في مقابل قيام الولايات المتحدة بتكثيف سياسة التخزين، لتعويض كميات كبيرة من المخزون الاستراتيجي الذي تم ضخه في الأسواق خلال فترة إدارة جو بايدن في محاولة لكسر تكتل “أوبك+” والرد على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا، لكن دون نجاح يُذكر.

وفي المقابل، اتجهت الصين إلى شراء مباشر من السوق الفوري من دول خارج “أوبك” مثل البرازيل، أنغولا، فنزويلا وكولومبيا. بينما سعت الهند إلى تعزيز قدراتها التخزينية بشراء النفط من دول مثل السنغال، غينيا الاستوائية وأذربيجان.

أما بعض الدول الأعضاء في “أوبك”، فقد كسرت قواعد الاتفاق، وزادت من كميات المعروض عبر “أساطيل الظل” في البحار، أو عبر خطوط خلفية مع دول قريبة مثل إيران، العراق وليبيا. وأدى ذلك إلى تباطؤ الطلب على النفط، وتراجع التعاقدات طويلة الأجل، ما دفع “أوبك+” إلى العودة لطاولة الاجتماعات لضبط الإمدادات مجددًا.

وبالفعل، بدأت الأسعار في الارتفاع البطيء لتصل إلى 64 دولارًا، لكن جاءت المفاجأة التي لم تكن في الحسبان: الغزو الإسرائيلي للأراضي الإيرانية، والذي استمر قرابة أسبوعين، تبعته ضربة أمريكية أحدثت مخاوف واسعة من قيام طهران برد فعل بإغلاق مضيق هرمز، ما قد يتسبب في شلل إمدادات خمس دول من أعضاء “أوبك” المطلة على بحر العرب. النتيجة: صعود السعر إلى 67 دولارًا للبرميل، وردت روسيا برفع إنتاجها بمقدار مليون برميل يوميًا طوال فترة الحرب.

وفي الاجتماع الأخير الذي عُقد عبر الفيديو من فيينا، قررت دول “أوبك+” زيادة المعروض بنحو 600 ألف برميل يوميًا، في محاولة لاستعادة ولاء السوق العالمي، والحفاظ على مستوى أسعار لا يسمح بتفعيل اقتصاديات إنتاج النفط الصخري الأمريكي، الذي لا يصبح مربحًا إلا عندما يتجاوز سعر البرميل 76 دولارًا.

الهدف الآخر لـ”أوبك” هو إبقاء الأسعار في حدود 70 دولارًا للبرميل، لتحفيز الاقتصادات الصناعية ومنع التباطؤ، خاصة في ظل ضبابية المشهد التجاري العالمي.

السؤال المحوري:

ما هو الأثر المتوقع على أسعار النفط وسوق الطاقة العالمي إذا تم تطبيق الرسوم الجمركية الجديدة بداية من أغسطس المقبل؟

السيناريوهات المحتملة:
1. السيناريو الأول:
تطبيق الرسوم على 20 دولة صناعية رئيسية مثل اليابان، كوريا الجنوبية والبرازيل، سيؤثر على قدراتها التصديرية ويقلل من الطلب على النفط. وقد تتجه تلك الدول - وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي ستُرفع عليه الرسوم إلى 50% - إلى تقليل تعاقداتها النفطية، ما يؤدي إلى وفرة في المعروض العالمي تزيد عن 3 ملايين برميل يوميًا. النتيجة المحتملة: هبوط السعر إلى 50 دولارًا للبرميل، بينما تقوم الصين والهند بعمليات شراء مكثفة للتخزين الاستراتيجي.
2. السيناريو الثاني:
في اجتماع “أوبك+” المرتقب في الأسبوع الأول من أغسطس، قد يتم اتخاذ قرار طوعي بخفض الإنتاج بأكثر من مليون برميل يوميًا، للحد من تراجع الأسعار، والحفاظ على مستوى مقبول لا يقل عن 60 دولارًا للبرميل.
3. السيناريو الثالث (الأقرب):
يتجه التكتل إلى خفض كبير في الإنتاج قد يصل إلى أكثر من 3 ملايين برميل يوميًا، بهدف وقف التعاقدات طويلة الأجل مؤقتًا، وتشجيع الشراء من السوق الفوري، وامتصاص أي انخفاض في الأسعار، ريثما تتضح ملامح التفاوض مع واشنطن بشأن الرسوم.

الفرصة الذهبية للمستوردين:

الظروف الحالية تفتح بابًا واسعًا أمام الدول المستوردة للنفط الخام، التي تملك مصافي تكرير وتنتج وقودًا محليًا، لتطوير استراتيجيات التخزين الذكي. يمكن استخدام الخزانات الأرضية أو الأنفاق تحت الأرض أو حتى القنوات المغطاة لتخزين كميات ضخمة من النفط عند انخفاض الأسعار في أغسطس، وبالتالي حماية الموازنات الاقتصادية، أو حتى تحقيق أرباح عند إعادة البيع في فترات ارتفاع الأسعار.

الحالة المصرية نموذجًا:

في ظل استهلاك يومي يقدر بـ1.3 مليون برميل، منها 550 ألف برميل من الإنتاج المحلي، و750 ألف برميل يتم استيرادها من الخام أو المنتجات البترولية، فإن فرصة مصر في تطبيق نموذج التخزين الفيدرالي تبدو واقعية وقابلة للتنفيذ. الأمر يتطلب فقط قرارًا جريئًا واستراتيجية طويلة المدى، لاستغلال فترات انخفاض الأسعار، بما يؤمن الاحتياجات الوطنية، ويتيح هامشًا اقتصاديًا كبيرًا في أوقات الذروة.

وللحديث بقية…




تم نسخ الرابط