الأحد 22 يونيو 2025 الموافق 26 ذو الحجة 1446

مجرد رأي…الحل الأمثل لقضية العمالة المؤقتة

6610
المستقبل اليوم

منذ توقف التعيينات في قطاع البترول عام 2014، خاصةً في شركات القطاع العام ، وبات واضحًا أن القطاع يواجه أزمة حقيقية في الموارد البشرية، خاصةً مع اقتراب معظم الكوادر الحالية من سن التقاعد، وغياب الشباب عن مواقع الإنتاج والمشروعات ، وبات أحدث موظف عُيِّن رسميًا في هذه الشركات  اليوم يشغل منصب رئيس قسم أو مدير إدارة، وبعد عامين أو ثلاثة فقط، سيصبح أغلب العاملين في القطاع “مدير عام” أو “مدير عام مساعد” سواء بصفة تنفيذية أو خبير!

وقد لجأت الشركات إلى حل بديل يتمثل في الاستعانة بالعمالة المؤقتة والمياومة ، لا للتعيين بل لسد العجز المتزايد. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة كانت ضرورية، فإنها لم تخضع للدراسة الكافية في بدايتها، مما أدى إلى تفاقم بعض المشكلات وتفاوت المعايير بين الشركات.

في البداية، كانت كل شركة تُورد العمالة المؤقتة وفقاً لرغبتها دون ضوابط واضحة، مما تسبب في تضخم عدد العمالة ببعض الشركات دون احتياج حقيقي، بل ووصل الأمر إلى وجود أسر بأكملها (الوالد والوالدة والأبناء والجيران) يعملون بنفس الشركة، لكن مع تولي المهندس كريم بدوي وزارة البترول، أصدرت الوزارة تعليمات صارمة تقضي بعدم التوريد لأي عمالة مياومة إلا بموافقتها وبأعداد محددة، مع اشتراط أن تكون العمالة فنية فقط، وهو ما ساهم في ضبط الوضع بنسبة كبيرة.

ورغم أن الشركات الموردة للعمالة مثل “بترومنت” و”صان مصر” واحدة، إلا أن العقود والمزايا الممنوحة للعمالة المؤقتة تختلف من شركة لأخرى ، فهناك شركات تصرف مكافآت وبدلات إجازات ووجبات، بينما تمتنع شركات أخرى عن صرف أياً من هذه المزايا. كذلك، تتفاوت نسب الزيادة السنوية لأجور العمالة بين شركة وأخرى (10%، 15%، 25%)، مما يخلق حالة من التذمر وعدم الرضا بين العمالة نفسها، وتنتشر بينهم كلمة “اشمعنى؟”.

العمالة المؤقتة – بحكم تعاقدها اليومي – تحرص على العمل أكبر عدد ممكن من الأيام شهريًا، حتى أن بعضهم يعمل 30 يومًا كاملة أو أكثر من ذلك (من خلال ورديات مزدوجة أو العمل في مواقع مختلفة)، وهو ما يشكل عبئًا على الميزانيات التشغيلية للشركات، ويخلق حساسيات مع العاملين الأساسيين الذين يتقاضون أجورًا أقل أحيانًا من هذه العمالة.

ومع غياب الانتماء لدى العمالة المؤقتة، تجدهم يغادرون فورًا إذا وجدوا فرصة أفضل في أي شركة أخرى، بعد أن يحصلوا التدريب واكتساب الخبرة داخل الشركة، ما يعيد الأزمة إلى نقطة الصفر.

نقطة أخرى لا تقل أهمية وهي أن شركات توريد العمالة الخاصة والغير تابعة للقطاع تحصل على نسب تصل إلى 35 – 40% من أجر العامل، دون تقديم قيمة مضافة حقيقية. على سبيل المثال، شركة تورد العامل بيومية 600 جنيه، في حين يحصل العامل فعليًا على 350 فقط! هذا الفارق الكبير يدفع البعض للمطالبة بتعاقد الشركات مباشرة مع العمالة المؤقتة، دون وسيط، لتوفير هذه القيمة وإعادة استثمارها في العامل نفسه.

الكثير من العمالة المؤقتة قضت سنوات طويلة داخل الشركات، وأصبح الاعتماد عليها شبه كامل، لكن دون أي ضمان لمستقبلها. وهذا يطرح تساؤلًا: ما هو مصير هذه العمالة؟ وهل سنستمر في الاعتماد على عمالة لا تملك الحد الأدنى من الأمان الوظيفي؟ ألا يجدر بنا البدء في تقنين أوضاعها وتثبيت الأكفأ منها بشكل تدريجي؟
خاصةً وأن الشركات باتت في حاجة إلى هذه العمالة .

مثلاً ، مع نقص العمالة الفنية، تستعين شركات البترول مثل “صان مصر” و”بترومنت” في تنفيذ أعمال العمرات الكبرى، لبعض معامل التكرير لكن هذه الشركات نفسها لا تملك ما يكفي من عمالة مدربة، مما يدفع البعض للتواصل بشكل غير رسمي مع عمالة الشركات الأخرى – سواء المثبتة أو المياومة – للعمل بعقود خارجية وبمقابل مغري، مما يتسبب في تسرب هذه العمالة من شركاتها الأصلية عبر الإجازات الطويلة أو المرضي الوهمية، وقد حدث أن أحد رؤساء شركات التكرير اكتشف ذلك وأمر فوراً بعودة الجميع إلى مواقعهم، حفاظًا على مصلحة شركته، وهو موقف يستحق التحية.

لذلك، نرى أن العمالة المؤقتة أصبحت اللاعب الأساسي في قطاع البترول، ولابد من التعامل معها بشكل جاد ومُنظم يحفظ مصلحة الجميع ، ولا حرج من توحيد عقود العمالة المؤقتة بين الشركات، سواء من حيث المزايا أو الأجور أو الزيادة السنوية، وتحديد حد أقصى للعمالة المؤقتة في كل شركة بناءً على احتياجاتها الفعلية، وتحويل العقود المؤقتة إلى عقود مكافأة شاملة بعد مدة لا تزيد عن 5 سنوات، وإنشاء إدارة مختصة بشؤون العمالة المؤقتة في كل شركة لمتابعة الأداء والانضباط والتقييم ، كما هو معمول به في بعض الشركات ، وإعداد تقارير كفاءة دورية لضمان جودة الأداء واستبعاد غير المؤهلين، والتدوير الداخلي للعمالة لإعادة توجيه الكفاءات الفنية إلى مواقع الإنتاج، خاصةً مع تسرب البعض لأعمال إدارية غير ضرورية.

ومن هنا نناشدالمهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية،باسم مصلحة القطاع وحرصًا على استقراره – أن تتبنوا قرارًا بفتح باب التعيينات التدريجية للعمالة المؤقتة التي أثبتت كفاءتها، حتى نضمن استمرارية العمل والإنتاج في شركات البترول المختلفة، ونسد الفجوة الكبيرة التي خلقها توقف التعيينات لسنوات طويلة.

لقد أصبح من غير المقبول أن يبقى قطاع بهذا الحجم معتمدًا على عمالة دون أمان وظيفي أو انتماء ، التثبيت التدريجي لتلك العمالة سيُعيد الاستقرار، ويرفع الكفاءة، ويحقق العدالة، وهذه مسئولية لا تحتمل التأجيل.

العمالة المؤقتة ليست حلاً مؤقتًا… بل أصبحت العمود الفقري للقطاع، فليكن لهم حق في مستقبلٍ أكثر استقرارًا ،،والسلام.

#سقراط




تم نسخ الرابط