السبت 05 يوليو 2025 الموافق 10 محرم 1447

د أحمد هندي يكتب: خمس كلمات وبس !

21
احمد هندي
احمد هندي

الأصل العام للتطور التشريعى هو مواكبة التطور المجتمعى بأحتياجاته ومشكلاته وتطلعاته ، وإلا فإنها تصاب بالجمود أو الوصول للنتيجة الواقعية وهى الأزدواجية بين حكم القانون والواقع الذى نعيشه .

 

وتبقى العدالة هى الحق الأسمى الذى يستوعب كل ما عداه من حقوق أخرى ، وقد تكون صورة العدالة الواقعية أن القضاء بصبر فى أحكامه بالحق ، ولكن يده قصيرة عن إحقاقه حين تعجز النصوص المحدودة عن إدراك وقائع الحياة غير المحدودة التى نعيشها . وهناك وقائع إدارية لم يصل العلم الأكاديمى لأيجاد توصيف لها وفقا لنظريات علم الإدارة ، ويمكن تلخيص خمس حالات على سبيل المثال فى خمس كلمات على النحو التالي :-

 

-- الكلمة الأولى : الرقابة الإدارية ومكافحة الفساد .

 

نجحت هيئة الرقابة الإدارية خلال الفترة الماضية فى مكافحة فساد المسئولين التنفيذين نجاحا ملموسا ، إلا أن هناك مستويات إدارية يستشري ويتوغل فيها الفساد ، حيث تراقب هيئة الرقابة الإدارية كبار المسئولين التنفيذيين وترصد جميع ما يجرى من تعاملات مالية وإدارية للجهات التى يتولون مسئوليتها التنفيذية ، لكنه يستحيل عليها أن تقوم بالأمر نفسه فى مواجهة المسئولين التنفيذيين فى الدرجات الوظيفية الوسطى والدنيا ، فما بالك بصغار الموظفين المنتشرين فى شتى المبانى الإدارية على مستوى الوزارات والأجهزة والمصالح الحكومية ، ووحدات الحكم المحلى ، والهيئات العامة القومية والاقتصادية وما يتبعها من شركات كثيرة العدد.

 

ويلجأ السواد الأعظم من المواطنين لصغار الموظفين سواء فى الدرجات الوظيفية الوسطى أو الدنيا ، والذين يفرضون إجراء لابد منه لقضاء الإجراءات الإدارية المطلوبة ، فيتوقف على ما يدفعه صاحب الحاجة من مبالغ صغيرة أو كبيرة لأتمام الإجراء بسلام ، ويوجد ألف تبرير أسهلها ( أدفع عشان تخلص )!!

 

الكلمة الثانية : الفساد بالقانون واللائحة .

 

تمتلئ الحياة التشريعية بالكثير من القوانين واللوائح ، إلا أنه برزت ظاهرة تم تعريفها بأنها الفساد بحكم اللائحة والقرارات الادارية الفاسدة التى ليس لها أى علاقة بالمشروعية ، لتخفى ورائها صورا وفرصا كثيرة للفساد الإدارى ، ومثال لها منذ سنوات والجميع يعلم أن كبار المسئولين يحصلون على مكافآت وبدلات نظير حضور الأجتماعات من خلال العضويات المزدوجة ويحصلون على مبالغ مالية بالملايين ، وللأسف أن هذه البدلات لها ما يبررها فى اللوائح التنفيذية المتعددة ، مكافآت قانونية وبدلات قانونية ، وهو إقرار بأمر سليم شكلا فاسد موضوعا ، لأن اللوائح والقرارات الادارية من قبيل القوانين فلا يوجد قانون فاسد !

 

لذلك تجد لجان مكافحة الفساد يدها مغلولة على عينها ، بفضل المراوغات اللائحية والقرارات الادارية الفاسكونية ، فأصبح هناك خلل فى الأداء نتيجة الأنحراف وسوء أستغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة بأنحرافات متعمدة فى تنفيذ الأعمال .

 

لذلك من الطبيعى أن نسمع من يقول أن الفساد أكبر من سياسات وجهود مكافحته ، لتكون النتيجة الواقعية أن تحقيق المصلحة العامة ، وإقامة التوازن بين الحقوق ومصالح القوى الاجتماعية ، والأتساق مع المبادئ الدستورية ، مجرد شعارات فارغة من التطبيق على أرض الواقع ، فأصبحت صورة الحياة الإدارية العامة ، هو كيفية استخدام السلطة لتحقيق مكسب أو ربح شخصى ، أو من أجل تحقيق هيبة أو مكانة اجتماعية كاذبة ، أو من أجل تحقيق منفعة لعصابة أو فئة فاسدة بأى طريقة حتى لو كانت خارقة لأبسط مبادئ ومعايير السلوك الأخلاقى .

 

الكلمة الثالثة : النسيان لا يسقط الحقوق .

 

مرت فترة ليست بالقصيرة ولم يتم البت فى مسألة صرف المقابل النقدى لرصيد الاجازات الاعتيادية للعاملين بنظام العقود المؤقتة والتدريبية والمكافاة الشاملة ، تطبيقا لحكم المحكمة الدستورية العليا بأحقية العامل فى الحصول على المقابل النقدى لرصيد الاجازات الاعتيادية . فهل هناك من أهل الفتيا الإدارية من يستطيع إيجاد مبرر قانونى لحرمانهم من صرف المقابل ؟؟ تعد الأجازة الاعتيادية أحد الحقوق الوظيفية التى تسرى على الجميع بلا تمييز ، ولا يمكن إنكار الحق أو نسيان تنفيذه بأى مبرر للتخلص من المسئولية ( أنا قولت اصرفوا المقابل - مفيش إشارة عن المؤقتين - نبعت نسأل - مفيش رد - أنسى !! من المسئول ؟) .

 

-- الكلمة الرابعة : اللوائح أقوى من الدستور !!

 

من يطالع الحركة التشريعية الدستورية يكتشف أنها متطورة أكثر من اللوائح التنفيذية ، فتجد التطور الدستورى تعديل دستور ٧١ فى عام ٢٠٠٥ ، والإعلان الدستورى الصادر فى ٢٠١١ ، وصدور دستور ٢٠١٢ ، المعطل ودستور ٢٠١٤ المقترح تعديله فى ٢٠١٩ . قوانين العلاوات الممنوحة فى السنوات المالية ، تم إقرار علاوة غلاء إستثنائية ، وعلاوات خاصة بدون حد أقصى لمواكبة التطور المجتمعى ..لتجد اللوائح أكثر جمودا مثال المواد ٥٦ ، ٥٧ ، ٥٨ من لائحة شئون العاملين بالهيئة العامة للبترول لم يطرأ عليهم أى تعديل أو اقتراح تعديل وكأن اللائحة ليس لها علاقة بالتطورات الدستورية والتشريعية ، فمن المستحيل أن تكون اللوائح أكثر جمودا من الدستور والقانون !!

 

الكلمة الخامسة : اختيار أهل الثقة لإدارة شئون الناس .

 

ظاهرة الإعتماد على أهل الثقة والولاء دون أهل الكفاءة والجدارة ظاهرة ملموسة ، إلا أن النهاية تكون محزنة وهو تعلمناه ، وكشف الفاروق عمر بن الخطاب الملهم نهاية من يعتمد على الأقارب والأهل .

 

يقول لعثمان بن عفان رضى الله عنه ، كأنى بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبها إياك ، فحملت بنى معيط على رقاب الناس وأثرتهم بالفئ ، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحا !!

 

وقد علمتنا وقائع الحياة أن كل من أثر أهل الثقة على أهل الكفاءة كانت نهايته أليمة ، سواء بذبح سيرته ، أو شرفه ، أو ذمته ، لأن حادثات التاريخ وسوابقه قد علمتنا أن الأرض الرخوة يترنح عليها الفساد وتميد تحته الأقدام ويجرفها تيار أشد قوة وأكثر اندفاعا !!

 

خمس كلمات وبس ...

 




تم نسخ الرابط