مجرد رأي: هل يُغضب الوزير الحديث عن القامات ؟
أحياناً يتحدث بعض الصحفيين عن رموز وقامات قطاع البترول، من المهندسين والجيولوجيين والكيميائيين والمحاسبين والإداريين والقانونيين وأنا واحدٌ منهم. فذكر هؤلاء العظماء يحمل قيمة حقيقية للعاملين بالقطاع ولقياداته من أبنائه، فهم يعرفون — ونعرف نحن أيضًا — أن وراء هذا القطاع تاريخًا طويلًا صنعته قامات كبرى. نستمد قوتنا من سيرهم، ونُحيي ذكراهم، لأنهم جزء أصيل من وجدان القطاع وهويته .
غير أن هذا الخطاب قد لا يلقى قبولًا لدى بعض القيادات التي جاءت من خارج القطاع. فتواريخهم القصيرة داخله، وأعمارهم المهنية المحدودة بين جدرانه، لا تسمح باستيعاب حجم التاريخ الذي صنعه عظماء أمثال عبدالهادي قنديل، وعزالدين هلال، وحمدي البنبي، وسامح فهمي، وعبدالله غراب، وشريف إسماعيل، وشريف هدارة، وأسامة كمال، وعبدالخالق عياد، وإبراهيم صالح، وحامد الأحمدي، وشوقي عابدين، وحسب النبي عسل، وسيد الخراشي، وفاضل عثمان، ومدحت يوسف ومحمود نظيم وعبدالعليم طه ومحمد شعيب ومحمود لطيف ومئات غيرهم ممن لا يتسع لهم هذا المقال.
وأرى أن هذا الخطاب قد يكون في غير موضعه عندما يتحدث صحفي عن تاريخ هؤلاء أمام قيادات حالية، أو حتى أمام الوزير الحالي نفسه، وهو رجل غير معني بالخطاب الإنشائي، ولا يمثل التاريخ بالنسبة له قيمة مركزية. فوجوده القصير داخل القطاع قد يجعله ينفر من هذا النوع من الحديث، كما أن تنشئته العملية داخل الشركات العالمية صاغت شخصيته كرجل يقدّم لغة الأرقام والخطط على العاطفة والرمزية، ويهتم بالعمل والإنجاز المباشر أكثر من صناعة تاريخ يُروى. هو لا يشغله متى تأسس القطاع، ولا من بناه أو تولّى قيادته، بل يعيش في عالم آخر، عالم زيادة الإنتاج، وإنجاز المهمة، وتقديم مقابل عملي واضح لما يتقاضاه من أجر.
ربما نجحت بعض المحاولات في دمج الوزير وعدد من القيادات القادمين من شركات عالمية مثل شيفرون و ويذرفورد وغيرها في بعض المناسبات الاجتماعية للقطاع، لكن الزمن لم يكن كافيًا لترسيخ هذه العادات والمعتقدات داخلهم. فقد تشبعوا بثقافة الخارج، وأصبح من غير المجدي الإكثار أمامهم من الحديث عن القامات والعظماء، وعن من بنوا ورحلوا وتركوا إرثًا كبيراً من الإنجازات.
دعوهم يعملون، وتحدثوا معهم عن خططهم وأهدافهم وما يريدون تحقيقه. أما الحديث عن التاريخ، فلنحتفظ به لأنفسنا، نُراجِع به أحوالنا، وإن كنت لا أظن أنه سيُصلح الكثير. فلطالما تحدثنا عن حضارة السبعة آلاف سنة، ولم نتعلم منها كما ينبغي، فليس من المؤكد أن يضيف لنا استدعاء التاريخ وحده شيئًا جديدًا.والسلام .
#سقراط