السبت 22 نوفمبر 2025 الموافق 01 جمادى الثانية 1447

وائل عطيه يكتب : أديس (ADES) قصة انطلاقة مصرية تحوّلت إلى قوة إقليمية في صناعة الطاقة

478
المستقبل اليوم

بدأت قصة ADES في مطلع الألفية الجديدة حين اجتمعت مجموعة من العقول المصرية الشابة حول رؤية طموحة كان يقودها أيمن عباس، الذي آمن بأن مصر قادرة على إنتاج شركة حفر إقليمية تنافس الشركات العالمية الكبرى، رغم أن السوق آنذاك كان مغلقاً أمام الشركات المحلية، ومعتمداً بصورة كبيرة على لاعبين دوليين. 
في أحد شوارع المعادي الهادئة تأسست نواة الشركة، وبفكر مصري خالص ورأس مال محلي بدأ المشروع في النمو خطوة بعد خطوة، مستنداً إلى كفاءات هندسية محلية، وقدرات تشغيلية متميزة، ورغبة صادقة في تقديم نموذج مختلف داخل قطاع يعتمد على التكنولوجيا والالتزام والانضباط في الأداء.

خلال سنوات قليلة أثبتت الشركة قدرتها على المنافسة، وانتقلت من مرحلة شركة ناشئة تمتلك حفاراً أو اثنين، إلى لاعب مهم قادر على الفوز بعقود تشغيل في مصر ثم في الخليج وشمال أفريقيا وآسيا. وقد اعتمدت ADES في مسارها المبكر على ثلاثة ركائز أساسية: الكفاءة الهندسية المحلية التي أثبتت جدارتها في بيئات الحفر الصعبة، والإدارة الشابة التي تجرأت على دخول أسواق جديدة كانت تبدو بعيدة عن متناول الشركات المصرية، والنموذج التشغيلي منخفض التكلفة الذي مكّنها من تقديم خدمات ذات جودة عالية ضمن ميزانيات معقولة مقارنة بالشركات العالمية العملاقة. ومع توسع الطلب على خدمات الشركة، تضخم أسطولها البحري ليصل إلى أكثر من 50 وحدة تشمل حفارات Jack-Up ووحدات إنتاج MOPU وبارجات، بينما توسع الأسطول البري ليصل إلى نحو 40 حفاراً تعمل في عدة دول مختلفة ، في وقت أشارت فيه نشرة الاكتتاب إلى أن مجموع الحفارات تجاوز 85 حفاراً موزعة على سبعة أسواق، وهو ما جعل ADES واحدة من أكبر شركات الحفر المتكاملة في المنطقة.

اللحظة الأكثر تأثيراً في مسار الشركة جاءت بدخول صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) كشريك استراتيجي، وقد شكّل ذلك التحول نقطة إعادة صياغة كاملة لدور الشركة في المنطقة . فقد ضخ الصندوق تمويلاً ضخماً أتاح لـ ADES تنفيذ عمليات استحواذ واسعة، وفتح أمامها سوق المملكة العربية السعودية بالكامل، وعزز من مستوى الحوكمة، ومنحها ثقة إضافية في الأسواق الدولية. كما أسهم هذا التحالف المصري–السعودي في تشكيل كيان خدمات بترولية عربي حقيقي، يجمع بين الخبرة المصرية والاستثمار السعودي والتوسع الإقليمي المدروس.

اعتمدت ADES على سياسة استحواذات ذكية أعادت تشكيل ملامح الشركة، ومن أهمها الاستحواذ على شركة Shelf Drilling في صفقة نقدية تقدَّر قيمتها ٣٧٩ مليون دولار، بعد موافقة أكثر من 99% من مساهمي Shelf على الاندماج، وهو ما أضاف لأسطول ADES واحدة من أبرز شركات الحفر في المياه الضحلة على مستوى العالم. وبموجب هذه الصفقة، توسعت القدرات البحرية للشركة بدرجة كبيرة، وأصبحت تمتلك عددًا أكبر من حفارات الـ Jack-Up المتطورة، كما حققت وفورات تشغيلية سنوية تقدر بنحو 40 إلى 50 مليون دولار، مما عزز مكانتها كمنافس إقليمي من العيار الثقيل وقوة مؤثرة في سوق الخدمات البحرية.

وفي تطور آخر نوعي، دخلت ADES مجال تطوير الحقول المتقادمة في مصر، وهو قطاع يكتسب أهمية متزايدة عالمياً بهدف زيادة إنتاج الحقول القديمة بتكاليف منخفضة. وقد فازت الشركة بعقود طويلة الأجل مع الهيئة المصرية العامة للبترول لتطوير حقول شركة سوكو (رأس بدران وخليج الزيت)، إضافة إلى مجموعة حقول اوسوكو في خليج السويس مثل شقير وجازورينا ورأس العش وايست زيت والأشرفي. وتستثمر الشركة نحو 66 مليون دولار خلال السنوات الثلاث الأولى في هذه المشروعات، مع حصولها على نسبة من الإنتاج الإضافي، في خطوة تعكس التحول التدريجي للشركة من مقدم خدمات حفر إلى شركة طاقة متكاملة تساهم في رفع إنتاج النفط، وليس فقط في عمليات حفر وصيانة الآبار.

وتأتي هذه النجاحات المتتالية تحت قيادة فريق إداري مصري متميز يتقدمه الدكتور محمد فاروق، الذي استطاع أن يضع الشركة على مسار نمو متسارع في فترة زمنية قصيرة. فاليوم أصبح من النادر أن يمر أسبوع دون أن نسمع عن توسع جديد أو صفقة استحواذ أو عقد مهم تفوز به ADES، وهو ما يعكس فلسفة قيادية واضحة تعتمد على التوسع الذكي، وإحكام السيطرة التشغيلية، والبحث المستمر عن فرص النمو في الأسواق العربية والآسيوية والأفريقية.

إن قصة ADES هي قصة رؤية مصرية نمت بإرادة حقيقية، وتطورت بفضل دعم استثماري سعودي، وتوسعت عبر إدارة واعية تدرك قيمتها وقدراتها. فهي شركة بدأت من القاهرة، ثم امتدت إلى الخليج، ثم إلى آسيا وأفريقيا، واستحوذت على كيانات دولية، ودخلت مجال تطوير الحقول، وأصبحت قوة إقليمية صاعدة في قطاع الطاقة. إنها قصة عربية تستحق أن تُروى: حين يتكامل الفكر المصري مع التمويل السعودي وتُدار الأمور بقيادة احترافية واعية، يتشكل كيان عالمي اسمه ADES.




تم نسخ الرابط