الأحد 21 سبتمبر 2025 الموافق 29 ربيع الأول 1447

إبراهيم توفيق يكتب عن: القانون 73 وقانون العمل وفصل الموظفين

438
المستقبل اليوم

القانون رقم ٧٣ لسنة ٢٠٢١ وما أثير بشأن عدم دستوريته ومدى استمرار سريانه على شركات قطاع البترول المساهمة والاستثماري بعد صدور القانون رقم ١٤ لسنة ٢٠٢٥
أولاً: إننا حينما نحكم على شيء فإنه يجب أن نطرح العاطفة جانبًا.

ثانيًا: نحن لسنا ضد العمال أو مع أصحاب العمل، نحن مع المصلحة العامة، وهي التي يجب أن تعلو على كل المصالح والعواطف. فالمصالح إذا تعارضت وتعذر التوفيق بينها يُرجَّح أقواها أثرًا وأعمقها نفعًا وأكثرها دفعًا للمفسدة. وإذا تعارضت مصلحة فرد أو فئة مع المصلحة العامة قُدِّمت المصلحة العامة ورُجِّحت، لا سيما إذا كانت تلك المصلحة قوامها الارتقاء بالعمل.
(يُراجع في هذا المعنى الحكم الصادر في الدعوى الدستورية رقم ١٣٥ لسنة ٣٧ ق جلسة ٤ من يونيو ٢٠٢٢ والمنشور بالجريدة الرسمية العدد ٢٢ مكرر ج في الثامن من يونيو ٢٠٢٢).

ثالثًا: نختلف مع القول إن القانون رقم ٧٣ لم يمنح العامل حق الدفاع عن نفسه، ذلك أن هذا القانون في المادة الرابعة منه أوجب على العامل، وبألفاظ صريحة، الإفصاح قبل إجراء التحليل عن جميع العقاقير التي يتناولها، وذلك في الفقرة الأولى منها.

وفي الفقرة الثانية أوجب تحريز العينة، وأن يكون التحليل التوكيدي على ذات العينة المُحرزة، كما أعطى العامل الحق في الاعتراض على نتيجة التحليل التوكيدي والاحتكام إلى مصلحة الطب الشرعي. كل هذه ضمانات للعامل حرص القانون عليها إعمالًا للدستور والقانون.

رابعًا: نختلف أيضًا مع القول إن هذا القانون فصل العامل دون مراعاة التدرج، لأن التدرج يكون في المخالفات التأديبية كالغياب أو التأخير أو الإهمال، وليس في الجرائم الجنائية. فتعاطي المخدرات جريمة يُحال مرتكبها إلى محكمة الجنايات.

خامسًا: إن الفلسفة من إصدار هذا القانون، وكما ورد بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة القوى العاملة ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، وقد كان حاضرًا هذه الاجتماعات الأستاذ محمد جبران وزير القوى العاملة الحالي، وكان وقتها رئيسًا لاتحاد عمال مصر، جاء بهذا التقرير ما يلي:

مع انتشار تعاطي المخدرات وخطورة ذلك على الفرد والمجتمع، وفي سبيل إحكام منظومة الإصلاح الإداري بالدولة، ومن خلال إصدار تشريع يتوخى سد العديد من الثغرات التي تجلت أثناء التعامل مع أحداث مؤثرة عصفت بأمن المجتمع وأرواح مواطنيه، والتأكيد على أحقية كل إنسان في الحياة الآمنة والتزام الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة للمواطنين ولكل مقيم على أرضها، كان هذا مشروع القانون.

وأضاف التقرير: إذا كان المشرع في هذا القانون قد اتخذ الأسلوب المفاجئ لإجراء التحليل، فإنه في ذات الوقت حرص على إتاحة الفرص أمام العامل أن يُفصح، وقبل إجراء التحليل، عن جميع العقاقير التي يتناولها، كما أعطى العامل الحق في الاحتكام إلى مصلحة الطب الشرعي.

سادسًا: لا محل للقول بأن المشرع بجعله الفصل من الخدمة في حالة إيجابية العينة يكون بقوة القانون مخالفًا للدستور؛ ذلك ووفقًا لما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا، فإن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، وكان جوهر السلطة التقديرية يتمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يعد أنه أنسبها للمصلحة العامة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها في خصوص الموضوع الذي يتناوله التنظيم.
(يُراجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في الدعوى الدستورية ٧٠ لسنة ٤٣ ق جلسة الثاني من سبتمبر ٢٠٢٣ والمنشور بالجريدة الرسمية العدد ٣ مكرر في الثالث من سبتمبر ٢٠٢٣).

سابعًا: إن قيام المشرع بوضع بعض القيود والإجراءات لا ينال من حق العامل ولا من الشروط التي يرتبط بها، ولا يحيط بيئة العمل بأوضاع تقلل منها، بل يثريها باستقطاب كوادر أكفأ. وإن الدستور وإن كان قد حرص على حق العامل فإن هذا الحق لا ينفصل عن جدارة من يتولاه، وإلا كان نهبًا لكل طارق، سويًا كان أم مهيضًا، بصيرًا كان أم منكفئًا متخاذلًا، ليضحى تقرير الأحكام التي تضمنها النص المحال دائرًا في نطاق السلطة التقديرية للمشرع في مجال تنظيم الحقوق وجوهرها.
وأن المشرع يجوز له أن يغاير فيما بين النصوص، وأن يقدّر لكل حالة ما يناسبها على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يُباشر الحق في نطاقها.
(يُراجع الحكم الصادر في الدعوى الدستورية رقم ١٣٥ لسنة ٣٧ ق جلسة الرابع من يونيو ٢٠٢٢ والمنشور في الجريدة الرسمية العدد ٢٢ مكرر ج في الثامن من يونيو ٢٠٢٢).

ثامنًا: عن مدى استمرار سريان القانون رقم ٧٣ على شركات قطاع البترول المساهمة والاستثماري

نقول إن هذا القانون كان يُطبق في كافة شركات قطاع البترول: الهيئة بشركاتها، القطاع العام والقوابض بشركاتها، والشركات المنشأة وفقًا لأحكام القانون ١٥٩ لسنة ١٩٨١، وتلك المنشأة وفقًا لأحكام قوانين الاستثمار. وقامت هذه الشركات بتعديل لوائحها الداخلية بما يتفق وأحكام القانون رقم ٧٣ لسنة ٢٠٢١، وكانت هذه الشركات تُنهي خدمة العامل بالفصل بقوة القانون إذا ثبتت إيجابية العينة، أياً كان المستوى الوظيفي للعامل.

إلا أنه وبصدور قانون العمل رقم ١٤ لسنة ٢٠٢٥ نرى أنه يجب على الشركات المنشأة وفقًا لأحكام القانون رقم ١٥٩ لسنة ١٩٨١ أو تلك المنشأة وفقًا لقوانين الاستثمار تعديل لوائحها الداخلية لتوافق نص المادة ١٣٥ من قانون العمل الجديد.
كما نرى أن لهذه الشركات، ولكي تتوحد لوائح قطاع البترول العام مع المساهمة والاستثماري، أن تتضمن لوائحها الداخلية الحالات الواردة في المادة الثالثة من القانون رقم ٧٣ لسنة ٢٠٢١، وهي حالات: التعيين أو التعاقد أو الاستعانة أو الترقية أو الندب أو النقل أو الإعارة أو الاستمرار في الوظيفة. لكن بشرط أنه عند ثبوت إيجابية العينة في هذه الحالات تُطبق المادة ١٣٥ من قانون العمل الجديد، ولا تُطبق الفقرة الرابعة من المادة الرابعة من القانون ٧٣ لسنة ٢٠٢١.

وسندنا في ذلك أن قانون العمل هو القانون العام الواجب التطبيق على هذه الشركات، وأن قواعده قواعد آمرة واجبة التطبيق، فضلًا عن أنه هو القانون اللاحق، والقاعدة أن اللاحق ينسخ السابق فيما يخصه. والنسخ قد يكون صريحًا وقد يكون ضمنيًا بتقرير قاعدة جديدة. وقانون العمل الجديد قرر في المادة ١٣٥ منه قاعدة جديدة بشأن الفصل، وهي العرض على المحكمة العمالية، ومن ثم فإن هذه القاعدة هي الواجبة التطبيق بالنسبة للشركات التي يسري عليها قانون العمل الجديد.

ولا محل للقول بسريان القانون رقم ٧٣ لسنة ٢٠٢١ على شركات قطاع البترول المساهمة أو الاستثماري، بزعم أن هيئة البترول أو القوابض تساهم فيها بطريق مباشر أو غير مباشر، حيث إن هذه الشركات هي من شركات القطاع الخاص أياً كانت الطبيعة القانونية للأموال الوطنية المساهمة فيها. وهذا هو ما جرى عليه قضاء محكمة النقض.

وهذا الذي جرى عليه قضاء محكمة النقض كان مناطًا لمذكراتنا سواء أمام الدوائر العمالية أم الدوائر الجنائية منذ أمد بعيد.

وفي شأن أحقية هذه الشركات في إضافة الحالات الواردة في المادة الثالثة من القانون رقم ٧٣ لسنة ٢٠٢١، سندنا في ذلك صريح نص المادة ١٣٥ من قانون العمل الجديد التي جاءت صريحة في التزام العامل بالحضور للاختبارات الطبية عن تعاطي المخدرات حينما يُطلب منه ذلك من صاحب العمل، أي في أي وقت شاء وفي أي الحالات التي يراها. فقد ورد النص بلفظ المطلق، والقاعدة القانونية الأصولية أن المطلق يظل على إطلاقه ما لم يرد ما يقيده، فلا يجوز تقييد المطلق ولا يجوز تخصيص العام، وكان النص قاطع الدلالة على المراد منه وهو أحقية صاحب العمل في أن يضع في لوائحه الداخلية الحالات التي يجري العامل التحليل بشأنها.

يؤيد هذا ويسانده أن إحدى الشركات، من غير شركات قطاع البترول، قد تضمنت لوائحها حالات إجراء التحاليل وكان ذلك قبل صدور القانون رقم ٧٣ لسنة ٢٠٢١، ثم أنهت خدمة العامل بعد العرض على المحكمة لثبوت تعاطيه المخدر، وقد أيدتها في ذلك محكمة النقض.
(يُراجع الطعن رقم ٣٥٨٤٣ لسنة ٩٣ ق عمال جلسة الخامس من يناير ٢٠٢٥).

هذا وبالله التوفيق، وعلى الله قصد السبيل.




تم نسخ الرابط