الوزير وسلطة الأمر الواقع

عندما يتغير الوزير ويأتي آخر، فاعلم أن هناك شيئًا مختلفًا لا بد أن يحدث، المنصب الوزاري ليس محصورًا في إصدار الأوامر والقرارات فقط، ولكنه أسلوب إدارة ينبع من الشخصية والرؤية الواضحة، التي تُبنى على قوة العلاقة بينه وبين مرؤوسيه، وتمتد إلى القاعدة العريضة من العاملين في نطاق وزارته لتنفيذ سياسته وفهم فلسفته في العمل.
للأسف، هناك من لا يزال يعتقد أن الشدة والعنف والقرارات الباترة هي ما تجلب الانضباط والإنجاز. ربما كان هذا صحيحًا بعض الوقت، ولكنه أبدًا لا يستمر كل الوقت.
ومنذ أن تولى كريم بدوي مقاليد السلطة في القطاع، وهو يحمل اعتقادًا راسخًا بأن العاملين مروا بفترة شديدة الجفاف أدت إلى خلق تيار من الخوف والريبة، ما تسبب في تدهور كبير في مستوى العلاقات حتى بين العاملين بعضهم البعض. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستقيم أجواء عمل تظللها سحب الخوف والريبة، بل والمبالغة في التسلط لإرضاء جهات أعلى. لم يُخلق القائد أو المدير لبث هذه الأجواء وتأصيل الأنانية في التعامل ومفادها: “أنا ومن بعدي الطوفان”.
عندما يرتدي القائد أو المدير زيّ العمل الميداني، ويلتقط الصور، ويبتسم في وجه الجميع، فهذه رسالة في المقام الأول وتصرف يعلي من شأنه ويجعل القلوب والأنظار تتجه إليه. حينها فقط يستطيع سماع أنات المظلومين والمكلومين، وسيعرف الحقيقة من منبعها دون رتوش أو تزييف، وسيرى شبابًا يتسابقون ليكونوا في المقدمة.
الإدارة عمادها البساطة المتمكنة، لا سلطة الأمر الواقع. وهناك فارق كبير بالطبع بين البساطة وسلطة الأمر الواقع. البساطة هي تلك التي تعي مفردات الصورة كاملة، وتتصرف بهدوء، وتبتعد عن اللهجة الصارمة ذات نبرة التهديد والإجراءات الانتقامية التي يُطلق عليها تصحيحية، وتستطيع جبر الخواطر في نفس اللحظة التي تكون فيها جاهزة لإصدار أشد الإجراءات قسوة تجاه أي مقصر أو فاسد.
ما يقدمه كريم بدوي هو نموذج حديث وامتداد لسياسات عظماء البترول من زمن عبد الهادي قنديل وحمدي البنبي وشريف إسماعيل وسامح فهمي؛ هؤلاء الذين تعلق العاملون بهم، وعاشوا دوماً يملؤون أذهانهم في حاضرهم وتاريخهم، وأصبحوا أيقونات للعطاء والزمن الجميل.
هو درس بليغ لكافة رؤساء الشركات أن يبتعدوا عن الصغائر وسلطة الأمر الواقع، التي منحتها لهم قرارات لا تعني سواهم، وأن يبنوا جسور الثقة مع مرؤوسيهم وعمال شركاتهم على أساس من الاحترام المتبادل وإرساء قيم العدل والنزاهة؛ فالحياة تحتمل الجميع، ونحن نعمل لنعيش سعداء ما استطعنا، لا لنموت كمدًا وغُبنًا.
تحية تقدير لهذا الرجل، الذي يجوب البلاد طولًا وعرضًا، وأعاد نسائم الزمن الجميل للقطاع. ورسالة هامة وأخيرة لكل ذي رُشد وعقل: أن يُقدروا هذه السياسة ويفهموا مضمونها جيدًا في شكلها الصحيح، لأن الاستخفاف بها أو استغلالها بشكل سيئ لن يضر إلا من يعتقد ذلك.
المستقبل البترولي