مجرد رأي…هل نجح الشركاء في إدارة شركاتنا؟

يُروى عن الرئيس الأمريكي جون آدامز (1797 – 1801)، خليفة جورج واشنطن، قوله:“إن المصالح والاحتياجات هي التي تحدد الحلفاء والشركاء، وليس العكس.”
وهي مقولة تعود لأكثر من قرنين من الزمن، لكنها أرست قاعدة ذهبية لاختيار الشركاء: فحاجتك ومصلحتك هما من يحددان نوع الشريك، وجنسيته، وقدراته الفنية والمالية.
مرّ على قطاع البترول المصري العديد من الشركاء، كان أبرزهم في البداية الشركات الأمريكية الكبرى مثل أمكو وكونوكو، والتي لعبت دورًا محوريًا في مرحلة الاكتشافات الكبرى بخليج السويس، إلى جانب شركة أباتشي في الصحراء الغربية. تعامل هؤلاء معنا بمنطق “جون آدامز” ذاته، حيث قدّموا مصالحهم على الشراكة، وانسحبوا في توقيت محسوب بدقة، باستثناء أباتشي التي لا تزال تحاول الصمود والبقاء حتى اليوم.
ومع أفول المدرسة الأمريكية، حلّت محلها المدرسة الإنجليزية العتيقة ممثلة في شركة بي بي BP، والتي لم تُحقق نجاحًا يذكر في مجال اكتشاف النفط الخام إلا من خلال شراكاتها مع شركات أوروبية كبرى مثل شل وديمنكس، لا سيما في حقول شركة سوكو. وحتى عندما استحوذت BP على إرث جابكو، ظلت بعض الوقت، وغادرت نشاط الزيت الخام بعد الإخفاقات الاستكشافية، أبرزها في وادي النطرون. واتجهت بدلاً من ذلك إلى تركيز جهودها على استكشاف الغاز في البحر المتوسط.
أما الشركات الروسية والأوكرانية، فلايزال إنتاجها لا يمثل فارقًا كبيرًا في المساهمة القومية.
وللمدرسة الفرنسية نصيبٌ أيضًا، إذ ركزت على العمل في مناطق دلتا النيل، بناءً على دراسات فنية كانت تشير إلى أن الدلتا تطفو على بحر من البترول والغاز. وكان لهذه المدرسة دور فني بارز، إذ ساهمت في إثراء قاعدة البيانات الجيولوجية، وأسهمت في اكتشاف حقول مثل أبو ماضي والقرعة، بالإضافة إلى بعض الحقول النفطية بخليج السويس (مثل شرق رأس الدب وراس غارب - شركة الأمل حاليًا). لكنها سرعان ما غادرت مصر.
ثم جاء “التنين الأصفر”، ممثلًا في الشركات الصينية، التي بدأت بضخ استثمارات ملحوظة في مناطق مثل علم الشاويش وبترو أمير بالصحراء الغربية والشرقية. ومع ذلك، لم تجد بعد هدفًا حقيقيًا للاستثمار الجاد في مصر، وهذه نقطة تستحق نقاشًا مستقلًا لاحقًا.
من جهة أخرى، اتجهت بعض الشركات المصرية للاستحواذ على ما خلّفه الشركاء الأجانب من أصول، باعتبارها فرصة استثمارية بأسعار منخفضة. لكن القاعدة ظلّت كما هي: معظم هذه المشاريع لم تخرج عن نطاق الاستفادة من الموجود، باستثناء نموذج يُحسب للمهندس إيهاب عوض، الذي أنشأ كيانًا مصريًا خالصًا منذ مرحلة الاستكشاف في شرق مجاويش البحرية أواخر القرن الماضي، واستمر حتى اليوم.
وهكذا، نجد أن الشركاء الأجانب - أمريكيين أو أوروبيين أو صينيين - تعاملوا معنا بمنطق واضح: رؤيتهم، مصالحهم، وقدراتهم الإنتاجية فقط. بينما تعاملنا نحن معهم بمنطق “من يدفع أكثر يصبح شريكًا”، دون اعتبار حقيقي لعوامل خطيرة كالكفاءة الفنية، الملاءة المالية، أو مواءمة الرؤية الاستراتيجية.
وتغافلنا عن أن من يدفع أكثر يأخذ أكثر وأكثر. لأن الاستثمار لا يعرف المجاملات ولا نُزهة الفكر، بل تحكمه قواعد صارمة. وللأسف، تأسس النظام المشترك لدينا على هذه النظرة السطحية، منذ أن أقنع المهندس عزيز صدقي – وزير البترول في حكومة محمود فوزي – الرئيس السادات بأن الشركاء سيتحملون التكلفة الكاملة. لكنه أغفل الحديث عن نظام الاسترداد والربح الذي كان، وما يزال، يقصم ظهر أي مشروع.
وهكذا مضى التاريخ… وشركاتنا المشتركة أصبحت رهينة لسياسات الشركاء، تابعة لاستراتيجياتهم، دون أن نعرف عنها الكثير. وغالبًا ما تكون النتيجة شركات تطلب استثمارات تفوق قيمة احتياطياتها.
وفي المقال القادم، نستكمل الحديث حول هذا الملف المهم، ونناقش المحاور الاستراتيجية التي يتبناها قطاع البترول حاليًا:
هل هي المسار الصحيح للتعامل مع الشركاء الحاليين؟ انتظرونا غدًا.والسلام،
#سقراط