أيمن حسين يسأل أصحاب المناصب: هل يشعر من يعملون معكم بالأمان؟

في كل مؤسسة، هناك من يدير وهناك من يقود، والفرق بين الاثنين لا يُقاس بالمنصب أو المؤهلات، بل بشيء أعمق بكثير: الأثر الذي يتركه القائد في نفوس من يعملون معه.
هل يطمئن الناس لوجودك؟
هل يشعرون بالأمان من قراراتك؟
هل يخافونك…أم يرتاحون إليك؟
هل يملّون من حديثك…أم ينتظرونه ؟ كل هذا لا يُرى…لكنه يُشعَر.
مؤخرًا، وقعت بين يدي صدفةً نسخة من كتاب “Leaders Eat Last” للمفكر سايمون سينك، وقد شدّني عنوانه العبقري الذي يقدّم درسًا بليغًا حتى قبل تصفّح محتواه. وبالفعل، بدأت في قراءة ما يطرحه المؤلف، وتوقفت طويلًا أمام أفكاره التي تلامس في جوهرها سؤالًا غائبًا عن كثير من القيادات في مؤسساتنا: هل القائد مصدر أمان…أم مصدر تهديد؟
القائد الحقيقي…لا يأكل أولًا:-
القائد الحقيقي هو من يطمئن على الجميع قبل أن يطمئن على نفسه.
هو من يُشعِر فريقه أن هناك من يحمي ظهورهم حقًا، لا من يرفع الشعارات ويتخلى عنهم عند أول أزمة. هو من يتحمل المسؤولية، ويقف بجانب فريقه…حتى لو اضطر للتضحية بنفسه.
دائرة الأمان…البداية الحقيقية للقيادة:-
عندما يشعر الناس بالخوف، ينشغل كل فرد بنفسه، ويتراجع التعاون، ويحلّ محله الدفاع الأعمى عن الذات. أما القائد الواعي، فهو من يخلق ما يُعرف بـ”دائرة الأمان”، حيث يشعر كل فرد بأنه جزء أصيل من الفريق، له مكانته، وقيمته، وحقوقه، ويثق بنفسه وبالمؤسسة التي ينتمي إليها.
“الناس لا يتبعونك لأنك في موقع قيادة… بل لأنهم يشعرون بالأمان بجانبك.” المنصب وحده لا يكفي.
الثقة هي حجر الأساس في كل علاقة إنسانية… لا سيما داخل بيئة العمل.
كيمياء القيادة…تأثير يتجاوز الكلمات:-
من الأفكار اللافتة في الكتاب، والتي قد تكون جديدة على الكثيرين، فكرة “كيمياء القيادة”، أي كيف أن تأثير القائد لا يقتصر على الأقوال والخطط، بل يمتد ليؤثر على الجسد والعقل أيضًا.
فكل موقف في العمل يُحفّز تفاعلات هرمونية تؤثر في مشاعرنا وسلوكنا:
•الدوبامين يمنح الحماس عند الإنجاز،
•الإندورفين يعزز القدرة على التحمّل،
•السيروتونين يُعمّق الإحساس بالانتماء،
•الأوكسيتوسين يصنع الثقة والدعم.
أما التستوستيرون، فعلى الرغم من دوره في تعزيز الثقة، إلا أن زيادته دون توازن وتعاطف قد تدفع القائد إلى الغرور والسيطرة.
القائد الحكيم هو من يعي هذه التفاعلات، ويهيئ بيئة تُوازن بين الإنجاز والإنسانية.
القيادة… قدوة وخدمة لا سلطة:-
القائد ليس مجرد صوت مرتفع، ولا مجرد صانع قرارات.إنه الذي يمنحك فرصة للخطأ والتعلّم… بل يتعلّم معك. هو من يثق بك قبل أن يطلب منك الثقة، ويقود بالقدوة لا بالأوامر. “لا تطلب الولاء… إن لم يشعر الناس أنك تهتم بهم حقًا.”
ثقافة الخوف لا تصنع الإبداع:-
الخوف يُعطّل العقول، ويُسكِت الأفكار. وفي المؤسسات التي تُدار بالخوف، يتحوّل العمل إلى روتين مملّ، ويختفي الشغف، وتُكمّم الأفواه. كل فكرة تُحسب، وكل كلمة تُوزَن ألف مرة. أما في البيئات التي تسودها الثقة، يزدهر الإبداع، وتُطلق الطاقات، ويعمل الناس بقلوبهم قبل عقولهم.
وأخيرًا…القيادة مسؤولية لا منصب
القيادة ليست راتبًا أعلى ولا مكتبًا أفخم. إنها التزام إنساني تجاه كل من يعمل معك. أن تفهمهم، وتساندهم، وتمنحهم الأمان، وتخلق لهم بيئة يشعرون فيها أنهم ليسوا وحدهم.
سؤال صادق لكل من يشغل موقعًا قياديًا: هل يشعر من يعملون معك بالأمان؟ هل يعلمون أنك تحميهم…أم يخافونك؟ هل يثقون بك… أم فقط ينفذون تعليماتك؟
ابدأ من هنا…لا تطلب من الناس أن يثقوا بك، قبل أن يشعروا أنك تراهم فعلًا. اصنع الأمان أولًا… فبدونه، لا ولاء حقيقي، ولا انتماء يدوم.
—————————-
كاتب المقال: أيمن حسين الكاتب والشاعر-مدير عام الإعلام
جهاز تنظيم أنشطة سوق الغاز