الإثنين 12 مايو 2025 الموافق 14 ذو القعدة 1446

مُفَارَقَاتُ هَذَا الْعَصْرِ.. سماح فتحي

631
المستقبل اليوم

أستوقفتني العديد من الظواهر المجتمعية والتي من وجهة نظري المتواضعة تدق ناقوس الخطر في مساسها بالعديد من الثوابت والأعراف والتقاليد التي تربينا عليها واتسمت بها مجتمعاتنا الشرقية، لقد قمت بإستطلاع رأي علي شريحة من المجتمع تختلف في الخلفية الثقافية والمرحلة العمرية والمستوي الاجتماعي وكان الإستطلاع يحتوي علي أسئله سلسة جداً حول الظواهر المجتمعية الحالية مثلاً في الفن والغناء، تقاليد وأعراف الزواج وما إلي ذلك.. تحمسوا كثيراً في المشاركة في استطلاع الرأي وبدأت أحصر الإجابات وكما توقعت إجابات نمطية ونموذجية للهروب من الواقع وتزينه وتجميله وحيث أنني اعرف معظم منْ شاركوا في الاستطلاع وتجاذبنا أطراف الحديث في أمور شتي مراراً وتكراراً وهذا مقصود أيضاً تيقنت ان الإجابات بعيدة كل البعد عن قناعاتهم وآرائهم والتحديات التي تواجههم بل كانت إجابات متأنقة ومزينة بأحلام وردية وخلصت من هذا الإستطلاع بأننا نعاني من حالة من الإنفصام والتناقص المجتمعي
اعتقد أن البعض لسان حاله يتساءل لماذا مجتمعنا غارق في التناقضات؟ أعلم بأننا لسنا الوحيدين المصابين بهذه الحالة أو هذا الداء، فمعظم الشعوب العربية على نفس الحال من هذا التناقض. بمعنى أننا نشاهد ونصادف في حياتنا اليومية، كثيرا من المشاهد والمواقف، التي لا تجد لها تفسيرا، غير أنك تقول: (أيه ده أما فعلاً شيئ غريب!!) ولتوضيح الفكرة،على سبيل المثال لا الحصر: البعض يختزل الدين الإسلامي في إطلاق لحيته والتحدث في المجالس عن الحلال والحرام  حيث يمسك السبحة ليعطى أنطباع بوصوله لمرحلة من الصوفية والتقرب الى الله ..، هذا الشخص نفسه، تجده سيئ الطبع والمعاملة مع الآخرين، بل مع أقرب الناس له، بل حتى مع اهل بيته، يخاصم هذا ويقاطع ذاك. وآخر لا يكتفي بالحديث عن الحلال والحرام، فقد يتجاوز ذلك ويصل إلى حد أنه يفتي بغير علم وحالياً هم كثري بل ويعطي لنفسه الحق ان يحكم علي تصرفات الآخرون ويجرم فلان ويكفر الآخر ويسدي النصيحة في العلن وهو أولي أن يعمل بها، وتجده في الوقت ذاته، يعتدي على حق غيره، وينكر على الآخرين حقوقهم، ولا يتورع في أكل وإنكار حقوق من يعمل لديه. وآخر يتكلم عن مخافة الله، وعن الضمير والأمانة والإخلاص في القول والعمل، ويتكلم عن العقاب والثواب وعن الحسنات والسيئات، وتجده في الوقت نفسه آخر الموظفين حضورا إلى عمله، وأولهم انصرافا، وأكثرهم تأخيرا وانتقاداً لأداء زملائه تطوعاً بهدف  الإنتقاد وحسب وآخر يتظاهر بالورع، ويتكلم عن القيم والمبادئ الإسلامية، وعن حسن الخلق وحسن المعاملة، وتجده هو نفسه، لا يحسن التعامل مع الآخرين، أسلوبه فظ غليظ، وإن كان موظفا، فهوايته المفضلة عدم قضاء حوائج الناس وتعطيل مصالحهم متسببا في تأخير وتعطيل معاملات الناس، ، يترك عمله ليتحدث مع زملائه، ويصدع رؤوسهم، ويعطيهم دروسا في الحلال والحرام والحديث في أشياء ليست لها علاقة بالعمل وقس على ذلك. وتجد آخر يسيئ معاملة جاره متغافلاً عن توصية النبي صلي الله عليه وسلم بحسن معاملة الجار  ويقول ﷺ: مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُؤْذِ جاره، وفي روايةٍ أخرى: فليُحْسِنْ إلى جاره، وفي الرواية الثالثة: فليُكْرِم جاره، فالواجب إكرام الجار، والإحسان إليه، وكفّ الأذى عنه. وهكذا الضيف: مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكْرِم ضيفه.  وتجد آخر يتكالب علي مصالحه وحقوقه وحين يطالب بها غيره يصفه بالطمع!  وتجد من ينشر الأفكار الغريبة بل والشاذة علي مجتمعاتنا متحججاً بأنها تؤدي الي التحضر والتمدن وهي تهدم الأسر والمجتمعات يدعون الخصوصية في المحافظة على القيم والأخلاق ويتجلى التناقض في ابهي صوره في حال ركب الطائرة وغادر في اجازة سنويه عبر الحدود. الشواهدوالأمثلة كثيرة في حياتنا اليومية حول هذه التناقضات.  بصراحة تحار في أمر هذه الفئة من الناس، والتي بالتأكيد لا تمثل إلا نفسها. وتحار في أسباب ودوافع هذه الحالة من التناقض التي يعيشها البعض. ولا شك أن لدى علماء النفس مسميات ومصطلحات علمية أخرى غير التناقض، ولديهم رأي وتشخيص دقيق للحالة ودوافعها وأسبابها.

وفي الختام التناقضات في حياتنا كثيرة ومختلفة، للأسف هناك تناقضات يقوم بها الكثير من الناس حين يتعاملون مع وسائل التواصل الاجتماعي، فهم في منتهى الذوق والأخلاق والقيم لكن تعاملهم على أرض الواقع مختلف، وكأن لهم وجوه وألسن كثيرة ومن ينكر الواقع لا يستطيع أن يُقيم ما يحدث. متناقضون بحسب مصالحهم! ويرفضون أنهم متناقضون. لن يتغير الإنسان من حالة التناقض مادام لا يراه تناقضاً. طبعاً انا لا انشد مجتمع ملائكي ولكن علي الأقل كل  منا يحاول أن  يطبق ما يؤمن به على أرض الواقع وفي حياته اليومية ويحب لأخيه ما يحب لنفسه.




تم نسخ الرابط