الأربعاء 04 يونيو 2025 الموافق 08 ذو الحجة 1446

أيمن حسين يكتب : من هو الأنْجَح: صاحب كلمة الحق أم المتملق؟

2389
المستقبل اليوم

 

في لحظات الهدوء المسائية، عندما يمر عليك يوم خالٍ من الالتزامات أو المشاوير أو زحمة الحياة اليومية — وهذا ما ندر — تجلس على أريكة مريحة مستكينًا بلا رغبة في مجرد التفكير، لكن فجأة تطرأ على ذهنك بعض الأفكار والأسئلة التي تطرحها على نفسك. أحيانًا تكون هذه الأسئلة بلا إجابات واضحة، فبدون قصد تبدأ بالتفكير فيها بعمق، ومع ذلك، لا تصل إلى إجابة يمكن وصفها بالصحيحة.

وفي بعض هذه الأيام خطر ببالي بعض المواقف التي شهدتها أو حتى تعرضت لها أنا شخصيًا خلال سنوات عملي في قطاع البترول، مدة تقارب الـ27 عامًا، كانت مليئة بالأحداث والمتغيرات. خطر لي سؤال يتكرر في ذهني: لماذا نجد أن الأشخاص الأقوياء، الذين لا يخشون قول كلمة الحق والوقوف في وجه الظلم، أصحاب المبادئ والمواقف الثابتة الواضحة، الذين يملكون القدرة والاستعداد لمواجهة أي شيء غير سليم أو غير قانوني، حتى لو كان يصب في مصلحتهم الشخصية، يرفضونه بشدة دون لحظة تردد؟

ورغم ذلك، نجد هؤلاء الأشخاص غالبًا ما يواجهون مشاعر الكراهية والتهميش من البعض، ومحاولات لإبعادهم عن المواقع المتميزة في العمل.
يبدو أن هذه الكراهية تنبع من عوامل عدة، أبرزها الفارق الكبير بين هؤلاء الأقوياء وبين الآخرين الذين يفتقرون إلى الجرأة لاتخاذ مواقف حقيقية أو قول الحق عندما يتطلب الأمر ذلك، أو أن مصالحهم غالبًا ما تقودهم إلى أفعال سلبية تسيرهم نحو الصمت أو التنازل.

الصراع بين القوة والضعف

يظهر بوضوح أن أصحاب المواقف القوية يتمتعون بشخصيات مستقلة، لديهم القدرة على التعبير عما يشعرون به دون خوف من العواقب. هؤلاء يجدون في قول الحقيقة قيمة جوهرية، حتى وإن كلفهم ذلك فقدان مكانة أو منفعة ما. في المقابل، هناك من يعتبرون مصالحهم الشخصية فوق كل اعتبار، ولا يمانعون التنازل أو التملق لضمان استمرارهم في مناصبهم أو الاستفادة من وضع معين.

الاختلاف الأساسي بين الفئتين يكمن في أن الأولى تمتلك شجاعة الأخلاق والمبادئ، بينما تعتمد الفئة الأخرى على التملق والتنازل لضمان الاستمرار. أصحاب المواقف القوية يدركون أن الكرامة والأخلاق لا تُساوَم، بينما يعتبرها ضعفاء النفوس أمورًا قابلة للتفاوض. هؤلاء الضعفاء قد يصل بهم الأمر إلى كره كل من يجسد قيم الضمير والشجاعة، لأنهم يذكرونهم بنواقصهم وحجمهم الضئيل.

الحق يتطلب الشجاعة

من يواجه سواء كانوا مديرين أو زملاء، من أجل كلمة حق، يدرك أن المواقف ليست مجرد كلمات، بل أفعال تأتي بتبعاتها. فهم على استعداد للتضحية بمصالحهم، أو حتى مكانتهم في العمل، فقط ليظلوا صادقين مع أنفسهم. في المقابل، أولئك الذين يخشون قول الحق يفضلون الاحتماء خلف “السلامة” والمصالح، ويحاولون إقناع أنفسهم بصحة موقفهم لأنهم يعرفون جيدًا أن قول الحق ليس بالأمر السهل، ويتطلب شجاعة لا يمتلكونها.

هذه الفئة المستكينة، عديمة الضمير، تراقب بصمت وحذر، تتجنب المواجهة، لكنها تشعر أيضًا بالتهديد من تلك القوة لدى أصحاب المواقف القوية. إنهم يرون في هؤلاء الأقوياء تهديدًا دائمًا يذكرهم بمدى ضعفهم وتخوفهم. ولهذا السبب، يصبح الأقوياء هدفًا للكراهية، لأنهم يمثلون كل ما يفتقدونه، بل يصل الأمر إلى محاولة تشويه صورتهم في بعض الأحيان بكلمات تعطي انطباعًا سيئًا عن أصحاب المواقف القوية وأصحاب الضمير.

كيف يؤثر ذلك على العلاقات في العمل والمجتمع؟

نجد أن المديرين الذين يستمعون إلى الموظف الصادق والواضح يشعرون بالثقة تجاهه، بينما قد يراه آخرون تهديدًا، خصوصًا إذا كانوا يعتمدون على التملق والانتهازية. وبالمثل، في المحيط الاجتماعي، نجد أن من يُصرحون برأيهم بصدق ويواجهون الآخرين عند الحاجة يتعرضون للإقصاء، لأن صاحب الموقف القوي يكشف بوضوح زيف الآخرين وحقيقتهم.

الكراهية هنا ليست سوى رد فعل طبيعي من أشخاص غير قادرين على مواجهة الفئة القوية اصحاب الضمير اليقظ ، لذا يلجأون إلى العداء والكراهية لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى مستوى أصحاب المواقف الحقيقية. فيصبحون مهووسين بفكرة إضعاف هؤلاء الذين يجرؤون على المواجهة، بدلًا من محاولة الارتقاء بأنفسهم.

الإيمان بالمواقف الحقيقية: قيمة لا يفهمها الجميع

ما يُميز صاحب الموقف القوي هو إيمانه العميق بقيمته. فهو لا ينتظر مكافأة أو تملقًا، بل يتصرف بوازع ذاتي لا يرتبط بالخوف أو المكاسب المادية. هؤلاء الأقوياء هم أشخاص لديهم احترام لأنفسهم، ويعرفون أن الشجاعة في قول الحق تتطلب احترامًا للآخرين والموقف. ولهذا، رغم كراهية البعض لهم، فإنهم يبقون مصدر إلهام للآخرين. كثيرون يتمنون أن يكونوا مثلهم، لكنهم بالقطع لا يستطيعون.

ختامًا، فإن كراهية البعض لأصحاب المواقف تأتي نتيجة عجزهم عن مواجهة حقيقتهم الضعيفة، وعدم قدرتهم على مجاراة شجاعة هؤلاء. الأقوياء لا يسعون لإرضاء أحد، بل فقط في محاولة دائمة لإرضاء الله سبحانه وتعالى، ويسيرون وفق مبادئهم وتربيتهم وأخلاقهم. يظلون أوفياء للحق مهما كانت العواقب. فالضمير هو المحرك الأساسي لكل شيء في هذه الحياة؛ فمن صلح ضميره صلحت مواقفه.

كاتب المقال:
الأديب والشاعر/ أيمن حسين مدير عام الإعلام
جهاز تنظيم أنشطة سوق الغاز




تم نسخ الرابط