من المؤكد أننا نعيش فى فترة قد سيطرت عليها الماده، وأصبح البعض منا يعيش في فقر وهو ليس بفقير وبرغم ذلك يعيش في قلق من الفقر، وهناك من يكون فعلًا فى حاجة مادية واقعة، والبعض الأخر لا يكون هناك حاجة من الماده ومع ذلك نعيش في خوف من الفقر، ولكن لشدة الخوف والرغبة الشديدة في تأمين المستقبل لنا و لأولادنا نعيش في فقر حاضر.
والقرآن يطلق على هذه المشاعر "وعود الشيطان" فالشيطان هو الذي يعد الإنسان بالفقر ويجعل الإنسان يعيش في خوف من الفقر حتى وإن لم يكن هناك فقر (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ). والملفت فى هذه الآيات جاءت بعد الحديث عن آيات الإنفاق في سورة البقرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْض) ففى هذة الأيات يوجد توجيه رباني أن الصدقة ومساعدة الآخرين لا يمكن أن تُنقص من المال شيء ولكن الشيطان بطبيعة تعامله معنا يدق على ذلك الوتر فيجعل الإنسان يتوهم أن المال ينقص بالصدقة،
ربما ينقص حسابك البنكى ولكن هذا لا يعني أن هناك نقصًا حقيقيًا في المال، ثمة أشياء اخرى تدخل مع الصدقة من أهمها البركة.
المال وإنفاقه والحاجة إليه لا ينحصر فقط في أرقام الأموال والحسابات ولا ينحصر بالنظرة المادية التي طغت على عالمنا المعاصر فأصبحنا بالفعل أكثر مادية من أي وقت مضى، المال لا يُحسب هكذا، ثمة أشياء أخرى تدخل إلى المال فتزيد هذا المال وتبارك فيه، البركة شيء غير محسوس، غير ملموس، البركة تأتي مع العمل، مع الإنفاق، مع ثقة المؤمن بالله أن الله سيخلف عليه بخير وأنه ما من شيء ينفقه في سبيل الله محتسبًا له في ذلك إلا وأعطاه الله وأغناه وأبدله خيرًا من الذي أنفق، ثم إن المؤمن يدرك تمامًا أن المال أمانة بين يديه، والمال في واقع الأمر هو مال الله عز وجل وأنه قد خرج إلى هذه الدنيا لا يملك شئ فمن ذا الذي أغناه؟، من ذا الذي أعطاه؟ومن ذا الذي كساه؟، من ذا الذي ألبسه؟ومن ذا الذي ادخل الحنان إلى قلب والديه؟. من سوى الله سبحانه وتعالى؟ وهو من يأمر عباده بالإنفاق والصدقات، يأمر بأن يتحول المال من غاية إلى وسيلة. فالبعض منا في هذه الفترة التى نعيشها مع تقلب الأحوال المادية وزيادة الضغوط، تقودنا على ان نتحول ونلهث إلى جمع المال، نجمع المال ولا نفكر كيف جمع ولا في أي شيء سينفق! أصبح جمع المال هو المحور الأساسى في حياتنا، هذه النظرة لا تتوافق أبدًأ مع ما يؤسسه القرآن في حياتنا، مع ما يدعو إليه القرآن ، أن يصبح المال فعلاً في وضعه الصحيح، أن يصبح المال مجرد وسيلة لأجل أن أعيش إنسانًا حرًا كريمًا وأن أفيض بذلك المال والعطاء على من حولي أن أبدأ بأسرتي، بأقاربى، بجيراني، بأصحابي، ثم بالمجتمع ككل حتى يصبح ذلك المال الذي وهبنا الله اياه نعمة لا ينحصر عطاؤها فقط في يدينا، أنشر ذلك المال عن طيب نفس ورضا، وأنا أرى تماماً أن لكل محتاج حق ونصيب
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم(ما نقص مال عبد من صدقة).
النظرة المادية التي اثرت فينا فى هذه الفترة التى نعيش فيها والأزمه المادية القاسية التى بدأت تحاصر قلوبنا وجعلتنا نفكر ألف مرة قبل أن ننفق ونساعد المحتاجين، بل العجيب حين ننفق في صدقه أو إحسان نفكر وكأن ذلك سيصنع فرقًا في حياتنا، في ذات الوقت الصورة المناقضة لذلك هو البذخ في إنفاق الأموال على ما يحتاجه المظهر الخارجي لنا، الكماليات التي بمرور الوقت أصبحنا أسرى لها، هذه النظرة تحتاج إلى أعاده نظر، حتى تغلب علينا تلك النظرة الإنسانية التى تجعلنا نشعر بآلآم الآخرين ومعاناتهم.